المُعَلَّى، وبين يديه رَجُل عَلَى رأسه قفص زجاج، وهو مضطّرب المشْي، يظهر منه عدم المعرفة بالحَمْل، فما زلت أترقَّب سقوطه.
قَالَ: فسقط، فتكسّر الزّجّاج، فبُهت الرجل، ثمّ أخذ عند الإفاقة مِن البكاء يَقُولُ: هذا والله جميعُ بضاعتي، والله لقد أصابني بمكّة مصيبة عظيمة تُوُفّي عَلَى هذه، ما دخل عَلَى قلبي مثل هذه.
واجتمع حوله جماعة يَرْثُون لَهُ، ويبكون عَليْهِ، وقالوا: ما الَّذِي أصابك بمكّة؟
قَالَ: دخلت قُبَّة زمزم، وتجرَّدت للاغتسال، وكان في يدي دُمْلُج ثمانون مثقلًا، فخلعته واغتسلت، وأُنْسيتُه، وخرجت.
وفيها نازل المُلْك عليّ بْن يوسف بْن تاشفين البربريّ مدينة قُرْطُبَة وحاصرها، وأذلّ النّاس، فتذلَّلوا لَهُ، وبذلوا لَهُ أموالًا عظيمة، حتّى ترحّل عَنْهُم.
وكانوا قد خرجوا عَليْهِ لكونه بعث عَلَى نيابه قُرْطُبَة قائدًا ظالمًا، فأراد عبدٌ مِن عُبَيْده أن يُكره امرَأَة ويضطهدها علانية، فضربه النّاس، فآل الأمر إلى قتال، حتّى تسوّروا عَلَى القائد وأخرجوه، بعد أن كادوا يقتلوه. وجَرَت فتنة عظيمة.
وكان البربر في هذه السّنين غالبين عَلَى الأندلس، وفيهم قِلّة دِين.
وقبل سفر ابن تاشّفين وقف لَهُ بجامع مُرّاكُش محمد بْن تُومَرْت الفقيه، وكلّمه بكلام فجّ، فقال: أيّها الأمير، إنّك حِلْت بين بصرك وبين الحقّ، فظلمت التّقليد، وقلّدت قومًا أكلوا الدّنيا بالآخرة، وأنا أُناظرهم بين يديك، وأصقل مرآتك، حتّى تأمر بالاحتياط عَليْهِ. وأحضر لَهُ جماعة مِن أهل الأُصول والفروع.