أقام بحلب مدة. ثم أتى إربل. اجتمع بأبي الخطّاب عمر بن الحسن بن علي ذي النسبين بمنزلي، وأطالا الحديث. أثنى عليه كثيرا وذكر شرفه وشرف أصله، وأكثر من قوله: «يا للَّه ابن عثمان- على شرف منصبه- يرد إربل. أنشدني له الحسن بن علي بن أبي الساج المصري، وذكر حكاية طويلة: لا يعجبنّك راكب متلبّس ... فعساه من علم وعقل مفلس ومن العجائب أن يكون لجاهل ... فضل اللبيب وقد علاه السندس إني لأعجب من تعدّى طوره ... حتى يضيق عليّ منه المجلس وذكر أنّ أمّ ابن عثمان شريفة حسينينة. ذاكرت به الحافظ أبا محمد عبد الرحمن بن عمر الحرّاني، فكتب لي ترجمته بيده ... أحد من عنى بهذا الشأن وجمعه وتحصيله. له الخط الوافر من البراعة والبلاغة. أعلم من كان في زمانه بالكتابة والترسّل- فيما يقال- يكتب الكتاب من آخره إلى أوله ... أنشدنا القاضي أبو القاسم المخزومي لفظا لنفسه في الشيب: مطايا الليالي بالأنام تسير ... وعارض شيب العارضين نذير وقد حدّدت خمسون عاما قطعتها ... بأنّ الّذي من بعدهنّ يسير وأبدت لنا الدنيا خفيّات مكرها ... وشيطان آمال البقاء غرور وما غاية الأعمار إلّا ذهابها ... وآخرها بعد القصور جفير وما طيب عيش يرجح المرء بعده ... رميما ومن بعد الرميم نشور فلا العيش يصفو في الزمان فنجتني ... عجالة نفسي للفناء تصير ولا القلب مرتاض على الزهد والتقى ... فيطلق من سجن الذنوب أسير ولولا رجاء العفو من فضل قادر ... لما مرّ بالمرء المسيء سرور فبادر فإنّ الله للتوب قابل ... شديد عقاب للذنوب غفور (تاريخ إربل) . وقال صاحب «المغرب» : ولما غضّ به الصاحب بن شكر وخاف على الوزارة منه، نصب له حبائل العداوة، ففرّ أمامه، وعاد من إربل إلى القاهرة بعد ما أقام بحلب مدة. فلم يزل يقاسي من عداوة ابن شكر شدّة إلى أن حضر يوما مجلسه فصاح عليه ابن شكر في أثناء نزاع وكلام، فخرجت نفسه في ذلك المكان، وكان ذلك من أعجب وقائع الزمان. [٢] انظر عن (داود بن أحمد) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس ٥٩٢٢) ورقة ٤٧، ٤٨، والتكملة لوفيات