استهلّت والفرنج مُحدِقون بعكّا محاصرون لها، والسّلطان بعساكره فِي مقابلتهم، والقتال عمَّال، فتارة يظهر هَؤُلَاءِ، وتارة يظهر هَؤُلَاءِ.
وقدِمت العساكر البعيدة مَدَدًا للسّلطان صلاح الدّين، فقدِم صاحب حمص أسد الدّين، وصاحب شَيْزَر سابق الدّين عُثْمَان ابن الدّاية، وعزّ الدّين ابن المقدَّم، وَغَيْرُهُمْ [١] .
ثُمَّ قدِمت عساكر الشّرق مَعَ مظفَّر الدّين صاحب إربل، ومع عماد الدّين ابن صاحب سنجار، ومعزّ الدّين سنجر شاه بْن غازي. واشتدّ الأمر، وجدَّت الفِرَنج فِي الحصار، وأتتهم الأزواد منَ الجزائر البعيدة حَتَّى ملئوا البرّ والبحر فتُوُفّي صاحب إربل زين الدّين يوسف بْن زين الدّين عليّ كَوْجَك، ففوّض السلطان مملكة إربل من حينئذٍ إلى أَخِيهِ مظفَّر الدّين كَوْكُبرى بْن عليّ.
ومن كتابٍ فاضليّ إلى بغداد: «ومن خبر الفِرَنج أنّهم الآن عَلَى عكّا يمدّهم البحر بمراكب أكثر عدّة من أمواجه، ويخرج للمسلمين أمرّ من أجَاجه، وَقَدْ تعاضدت ملوك الكُفْر عَلَى أن يُنهضوا إليهم من كُلّ فرقة طائفة، ويرسلوا إليهم من كُلّ سلاح شوكة، فإذا قُتِلَ المسلمون واحدا فِي البرّ بعثوا ألفا عِوَضه فِي البحر، فالزَّرع أكثر منَ الحصاد، والثّمرة أنْمى منَ الجذاذ.
وهذا العدوّ قَدْ زرَّ عليه منَ الخنادق دروعا متينة، واستجنّ منَ الجنوبات بحصونٍ حصينة، فصار معجزا، وممتنعا حاسرا، ومدرّعا، ومواصلا،
[١] تاريخ ابن الفرات، مجلّد ٤ ج ١/ ٢٠٩، مفرّج الكروب ٢/ ٣١٣.