للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنقطعا، وعددهم الجمّ قَدْ كاثر القتل، ورفا بهم الغلب، قَدْ قطعت النّصل لشدّة ما قطعها النصْل. وأصحابنا قَدْ أثَّرت فيهم المدّة الطّويلة، والكِلَف الثّقيلة فِي استطاعتهم لا فِي طاعتهم، وَفِي أحوالهم لا فِي شجاعتهم، وكلّ من يعرفهم يُناشد اللَّه فيهم المناشدة النبويَّة فِي الصّحابة البدريّة، اللَّهمّ أن تهلك هَذِهِ العصابة، ويخلص الدّعاء ويرجوا عَلَى يد مولانا أمير المؤمنين الإجابة. وَقَدْ حرَّم باباهم، لعنه اللَّه، كُلّ مباح، واستخرج منهم كُلّ مدحور، وأغلق دونهم الكنائس، ولبس وألبس الحِداد، وحكم أن لا يزالوا كذلك أَوْ يستخلصوا المقبرة. فيا عُصْبة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخلفه فِي أمّته بما تطمئنّ بِهِ مضاجعه، ووفِّه الحقّ فينا، فَإِنا والمسلمون عندك ودائعه، ولولا أنّ فِي التّصريح ما يعود عَلَى العدالة بالتّجريح، لقال الخادم ما يُبْكي العيون وينْكي القلوب، لكنّه صابر محتسب، منتظر للنصر مرتقب. ربِّ إنّي لا أملك إلّا نفسي، وها هي فِي سبيلك مبذولة، وأخي وَقَدْ هاجر هجرة يرجوها مقبولة، وولدي وَقَدْ بِذَلت للعدوّ صفحات وجوههم، وهان عَلَى عيونك بمكروههم.

ونقف عِنْد هَذَا الحد، وللَّه الأمر من قبل ومن بعد» .

وقَالَ الموفّق عَبْد اللّطيف: إنّ الفِرَنج عاثوا فِي سوق العسكر وَفِي الخِيَم، فرجع عليهم السّلطان فطحنهم طحنا، وأحصى قتلاهم بأنْ غرزوا فِي كُلّ قتيل سهما، ثُمَّ جمعوا السّهام، فكانت اثني عشر ألفا وخمسمائة. والّذين لحِقوا بأصحابهم هلك منهم تمام أربعين ألفا [١] . وبلغت الغرارة عندهم مائة وعشرين دينارا.

قَالَ: وخرجوا مرّة أخرى، فَقُتِلَ منهم ستّة آلاف ونيّف، ومع هَذَا فصبرهم صبرهم. وعمروا عَلَى عكّا بُرجين من خشب، كُلّ برج سبْع طبقات، بأخشاب عاتية، ومسامير هائلة، يبلغ المسمار نصف قنطار، وضبّات [٢] عَلَى هَذَا القياس، وصُفِّح كُلّ برج منها بالحديد، ولُبِّس الجلود، ثمّ اللّبود المشربة


[١] مشارع الأشواق ٢/ ٩٤١.
[٢] في مشارع الأشواق ٢/ ٩٤١ «صبّات» وهو تحريف.