للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما رُوِيَ حول أسر الأمين

وعن خطّاب بْن زياد أنّ محمدًا وهَرْثَمَة لما غِرقا أتانا محمد بْن حُمَيْد، فأسَرَّ إلى طاهر أنّه أسَرَ محمدًا. فدعا طاهر بمولاه قريش الدَّنْدانيّ، وأمره بقتل محمد [١] .

وأمّا المدائنيّ فروى عَنْ محمد بْن عيسى الْجُلُوديّ: أنّ محمدًا دعا بعد العِشاء بفَرَس أدهم كَانَ يسمّيه الزُّهَيريّ، وقبّل وَلَدَيْه، ودمعت عيناه. ثمّ ركب وخرجنا بين يديه، فرِكْبنا دوابَّنا، وبين يديه شمعة، وأنا أقِيه بيدي خوفًا مِن أن تَجيئه ضربةُ سيف بغَتةً. ففُتح لنا باب خُراسان، وخرجنا إلى المُشْرَعَة، فإذا حرّاقة هَرْثَمَة، فنزلنا ورجعنا بالفَرَس وغلّقنا باب المدينة، ثمّ سمعنا الضّجّة، فصعدنا إلى أعلى الباب [٢] .

وذُكِر عَنْ أحمد بْن سلام صاحب المظالم قَالَ: كنت فيمن كان مع هرثمة من القُوّاد في الحرّاقة، فلمّا دخل محمد الحرّاقة قمنا لَهُ، وجثا هَرْثَمَة عَلَى رُكبتيه فقال: يا سيّدي، لم أقدر عَلَى القيام لمكان النَّقْرس. ثمّ قّبل يديه ورِجْلَيه، وجعل يَقُولُ: يا سيّدي ومولاي، وابن مولاي. وجعل يتصفَّح وجوهنا، ونظر إلى عُبَيْد الله بْن الوضّاح، فقال: أيُّهم أنت؟ قَالَ: عُبَيْد الله.

قَالَ: جزاك الله خيرًا، فما أشكرني لِمَا كَانَ منك في أمر الثلج.

فشدّ علينا أصحاب طاهر في الزواريق والحرّاقات، وصَبّحوا، وتعلّق بعضهم بالحرّاقة، وبعضهم يسوقها، وبعضهم يرمي بالآجُرّ والنّشّاب، فنُقبت الحرّاقة، ودخلها الماء وغرِقت. فعلِق الملاح بشعر هَرْثَمَة، فأخرجه وخرجنا.

وشقّ محمد عَنْهُ ثيابه ورمى بنفسه. فطلعتُ فعلِق بي رجلٌ مِن أصحاب طاهر، وذهب بي إليه، فقال: ما فعل محمد؟ قلت: قد رَأَيْته حين شقّ ثيابَه وقذف بنفسه. فركِب، وأُخذتُ معهم وفي عنقي حبل، وأنا أعدو، فتعبتُ.

فقال الَّذِي يجنُبني: هذا لَيْسَ يُصَاد. فقال: انزل فجزّ رأسه.


[١] تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٣، خلاصة الذهب ١٨٥.
[٢] تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٣، ٤٨٤، العيون والحدائق ٣/ ٣٣٨، مروج الذهب ٣/ ٤١٩.