للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دخول السلطان بغداد للمرّة الثّانية]

وفي رمضان وصل السّلطان إلى بغداد، وهي القدْمة الثّانية، وبادر إلى خدمته أخوه تاج الدّولة تُتُش صاحب دمشق، وقسيم الدّولة أقْسُنْقُر صاحب حلب، وغيرهما من أمراء النّواحي [١] ، فعمل الميلاد ببغداد، وتأنّقوا في عمله على عادة العجم، وانبهر النّاسُ، ورأوا شيئًا لم يعهدوه من كثرة النّيران، حتّى قال شاعرهم [٢] :

وكُلُّ نارٍ على العُشَّاق مُضْرَمَةٌ ... مِن نار قلبي أو من ليلة الصَدَقِ [٣]

نارٌ تَجَلَّت بها الظَّلْمَاءُ فاشتبهتْ ... بسُدْفةِ اللَّيل فيه غُرَّةُ الفَلَقِ

وزارتِ الشّمسُ فيه البدرَ واصطلحا ... على الكواكب بعد الغَيْظِ والحَنَقِ

مُدّت على الأرض بُسُطٌ من [٤] جواهرها ... ما بين مجتمع دارٍ ومفترقِ

مثلَ المصابيح إلّا أنّها نزلتْ ... من السّماء بلا رجْمٍ ولا حَرَقِ

أعْجِبْ بنارٍ ورِضْوَانٌ يُسعّرُهَا ... ومالكٌ قائمٌ منها على فَرَقِ

في مجلسٍ ضحِكَتْ روضُ الْجِنَانِ لهُ ... لمّا جلى [٥] ثغْرُهُ عن واضحٍ يَقَقِ

وللشُّمُوع عيونٌ كلْما نظرتْ ... تظلّمتْ من يديها أنْجُمُ الغَسَقِ

من كلّ مرهفةٍ الأعطافِ كالغُصْن ... الميّاد، لكنّه عارٍ من الوَرَقِ

إنِّي لأعجب منها وهي وادعةٌ ... تبكي، وعِيشَتُهَا من [٦] ضَرْبة العُنُقِ [٧]

[بناء جامع السّلطان ببغداد]

وفي آخرها أمر السّلطان بعمل جامعٍ كبير له ببغداد، وعمل الأمراء حوله


[١] نهاية الأرب ٢٦/ ٣٢٩، المختصر في أخبار البشر ٢/ ٢٠١، دول الإسلام ٢/ ١٢، البداية والنهاية ١٢/ ١٣٧، تاريخ ابن خلدون ٣/ ٤٧٧، تاريخ ابن الوردي ٢/ ٥، مآثر الإنافة ٢/ ٢.
[٢] هو «المطرّز» كما في الكامل ١٠/ ١٩٩.
[٣] في المطبوع من الكامل (طبعة صادر) : «السّذق» .
[٤] في الكامل: «بسطا» .
[٥] في المنتظم: «جلت» ، وفي الكامل: «جلا» .
[٦] في المنتظم: «في» .
[٧] الخبر والأبيات في: المنتظم ٩/ ٥٧، ٥٨ (١٦/ ٢٩٤، ٢٩٥) ، والكامل في التاريخ ١٠/ ١٩٩، ٢٠٠.