للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ عِياض: وَالَّذِي تأوّله الحاكم على مُسْلِم من اخترام المَنِيّة له قبل استيفاء غَرَضه إلّا من الطبقة الأولى. فأنا أقول إنّك إذا نظرت تقسيم مُسْلِم فِي كتابه الحديث كما قَالَ على ثلاث طبقات من النّاس على غير تكرار. فذكر أنّ القسم الأول حديث الحُفّاظ، ثُمَّ قَالَ: إذا انقضى هَذَا أتْبَعَه بأحاديث من لم يوصف بالحِذْق والإتقان، وذكر أنّهم لاحقون بالطبقة الأولى، فهؤلاء مذكورون فِي كتابه لمن تدبَّر الأبواب، والطبقة الثالثة قومٌ تكلَّم فيهم قومٌ وزكّاهم آخرون، فخرج حديثهم من ضُعِّف أو اتُّهِمَ بِبِدْعة. وكذلك فعل الْبُخَارِيّ.

قَالَ عياض: فعندي أنّه أتى بطبقاته الثلاث فِي كتابه، وطرح الطبقة الرابعة [١] .

ثُمَّ سرد الحاكم تصانيف أخَرَ تركتُها.

ثُمَّ قَالَ: سمعت أَبَا عَبْد الله محمد بْن يعقوب يقول: تُوُفيّ مُسْلِم يوم الأحد، ودُفِنَ يوم الإثنين لخمسٍ بقين من رجب سنة إحدى وستّين ومائتين، وهو ابنُ خمسٍ وخمسين سنة [٢] .

قلت: وقبره مشهور بنَيْسابور ويُزار. تُوُفيّ وقد قارب السّتّين. وقد سمعت كتابه على زينب الكِنْدِيّة إِلَى «النّكاح» ، وعلى ابنُ عساكر من «النّكاح» إِلَى آخر «الصّحيح» . كلاهما عن المؤيَّد الطُّوسيّ كتابة: أنا العزيزي، أنا الفارسي، أنا ابن عروبة، عن ابن سفيان، عن مسلم.

وسمعه المزني، والبرزالي، وطبقتهما قبلنا على القاسم الإربلي منه إجازة، بسماعه نقوله عن الطّوسيّ، وهو عذْلٌ مقبول.

وسمعه النّاس قبل ذلك على الرّضى التّاجر، وابن عبد الدّائم، والمُزَنيّين.

وبِقَيْد الحياة منهم عددٌ كثير من الشّيوخ والكُهُول فِي وقتنا بمصر، والشّام.

وسمعه النّاس قبل ذلك بحين على ابنِ الصّلاح، والسَّخَاويّ، وتلك الحَلَبة بدمشق على رأس الأربعين وستّمائة، من المؤيّد وأقرانه، وبمصر على ابنُ الحُبَاب، والمُدْلِجيّ، عن المأمون. فأحسن ما يُسمع فِي وقتنا على من يبقى من أصحاب هَؤُلَاء لَتَقَدُّم سماعهم، فإنْ تعذر فعلى أجلّ أصحاب المذكورين


[١] مقدّمة صحيح مسلم بشرح النووي ٢٣.
[٢] تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ق ١/ ٩٢.