للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ طلب الأعرابيّ فسأله: من أَيْنَ قَالَ ما قَالَ؟

فقال: نَحْنُ إنّما نتفاءل بزَجْر الطَّيْر وبعينٍ كما نراه. فسألتني أولًا لأيّ شيء طُلِبتُ، فتلمحّت الدّار، فوقَعَتْ عيني على برّادة عليها كيزان [١] معلَّقة، فقلت لي: أصبت. ثُمَّ تلمّحْتُ فرأيت فوقها عُصْفورًا ذَكَرًا. ثُمَّ طار الزُّنْبُور عليك، وهو مخصّر النّصارى يتخصَّرون بالزّنابير. والزُّنْبُور عدوٌّ أراد أن يلسعك، وصاعد نصراني الأصل، وهو عدوك فزجرت أن الزُّنْبُور عدوّك، وأنّ الغلام لمّا قتله أنّك ستقتله.

قَالَ فوهب له شيئًا صالحًا وصرفه [٢] .

وقَالَ جِحْظَة:

لأبي الصقر علينا ... نِعَمُ الله جليلةٌ

ملِكٌ فِي عيِنِه الدُّنيا ... لراجية قليلةٌ

فوصلني بمائتي دينار [٣] .

وقَالَ عَبْد الله بْن أبي طاهر: أنشدني جَحْظَة: أنشدني أبو الصَّقْر إِسْمَاعِيل بْن بُلْبُل لنفسه:

ما آن للمعتوق أن يُرْحَما ... قد انْحَلّ الجسمُ وأبكى الدّما

ووكَّلَ العينَ بتسْهيدها ... تفديه نفسي لَمَا طَالَمَا ما حكّما

وسنة المعشوقِ أنْ لا يرى ... فِي قتْل من يعشقه مَأْثَمَا

لو رآه الله شَفَى غايتي ... فالعدْلُ أن يُبْدي فَمَا سَقَما

وُلِدَ إِسْمَاعِيل بْن بُلْبُل سنة ثلاثين ومائتين. قاله الصُّوليّ.

وقَالَ: رأيته مرّات، وكان فِي نهاية الجمال، وتمام القدّ والجِسْم.

فُقِبض عليه فِي صفَرَ سنة ثمانٍ وسبعين، وكُبِّلَ بالحديد، وأُلْبِسَ جُبَّةَ صوف مغموسة فِي الدِّبْس، وماء الأكارع، وأُجْلِسَ فِي مكان حارّ. وعُذِّب بأنواع


[١] كيزان: جمع كوز، يبرّد فيها الماء.
[٢] الخبر في: نشوار المحاضرة ٢/ ٣١٨، ٣١٩.
[٣] سير أعلام النبلاء ١٣/ ٢٠١.