للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليّ، فقلت: يا أَبَا عَبْد الله رَجُل غريب نائي الدار، وهذا أوّل دخولي هَذَا البلد، وأنا صاحب حديث، ومقيد بسنة. ولم تكن رحلتي إلّا إليك.

فقال: أدخل الأسطوانة، ولا يقع عليك عين. [فدخلت] .

فقال لي: وأين موضعك؟

قلت: المغرب الأقصى.

قَالَ: إفريقية؟

فقلت له: أبعد من إفريقية. أجوز من بلد البحر إِلَى إفريقية. الأندلس.

قَالَ: إنّ موضعك لبعيد، وما كان شيء أحب إِلَى من أن أحسن عون مثلك، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك. فقلت له: بلى، لقد بلغني، وهذا أوّل دخولي، وأنا مجهول العين عندكم. فإذا أذنت لي أن آتي كل يوم فِي زي السؤال، فأقول عند الباب ما يقوله السائل، فتخرج إِلَى هَذَا الموضع. فلو لم تحدثني كل يوم إلّا بحديث واحدٍ لكان لي فِيهِ كفاية.

فقال لي: نعم، على شرط أن لا تظهر فِي الخلق، ولا عند المحدثين.

فقلت: لك شرطك.

فكنت آخذ عودًا بيدي، وألف رأسي بخرقةٍ مدنسة وآتي بابه، فأصيح:

الأجر، رحمكم الله، والسؤال هناك كذلك، فيخرج إليَّ ويغلق الباب، ويحدثني بالحديثين، والثلاثة، والأكثر. فالتزمت ذلك حَتَّى مات الممتحن له [١] ، وولي بعد من كان على مذهب السنة [٢] ، فظهر أَحْمَد وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقصّ على أصحاب الحديث قصتي معه. فكان يناولني الحديث مناولة، ويقرأه عليّ، وأقرأه عليه. واعتللت، فعادني فِي خلقٍ معه.

وذكر الحكاية أطول من هَذَا، نقلها ابنُ بشكوال فِي غير «الصلة» . وأنا نقلتها من خط أبي الوليد بن الحاجّ شيخنا [٣] .


[١] وهو الخليفة المأمون.
[٢] وهو الخليفة المتوكّل.
[٣] وهي منكرة. (سير أعلام النبلاء ١٣/ ٢٩٢- ٢٩٤) .