للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى بَعَثَ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وأمّر على النّاس زيد بن حارثة. وَقَالَ: إِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فعبد الله ابن رَوَاحَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلا. فَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَوَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَكَى ابْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ:

أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبٌّ لِلدُّنْيَا، وَلا صَبَابَةٌ إِلَيْهَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ الله يقول وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ١٩: ٧١ [١] ، فلست أدري [٨٢ أ] كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ وَدَفَعَ عَنْكُمْ. فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ [٢] :

لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا [٣]

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا

حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... يَا أَرْشَدَ اللَّهِ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا [٤]

ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ [٥] :

فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى، وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا

إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ

أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمُ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ منه فقد أزرى به القدر [٦]


[١] سورة مريم: من الآية ٧١.
[٢] ديوانه: ص ٨٨، باختلاف يسير في البيت الثالث.
[٣] ذات فرغ: ذات سعة، وفي رواية: ذات فرع. والزبد هنا: رغوة الدم.
[٤] في سيرة ابن هشام ٤/ ٧٠ «أرشده الله» وفي تاريخ الطبري ٣/ ٣٧ «أرشدك الله» وانظر عيون الأثر ٢/ ١٥٣، والبداية والنهاية ٤/ ٢٤٢، وعيون التواريخ ١/ ٢٧٩، ٢٨٠ وفيه كما هنا، والمغازي لعروة ٢٠٤، ٢٠٥.
[٥] الديوان: ص ٩٤، باختلاف في ترتيب الأبيات وفي بعض الألفاظ.
[٦] انظر الأبيات باختلاف أيضا في: سيرة ابن هشام ٤/ ٧١، مغازي عروة ٢٠٥، البداية والنهاية ٤/ ٢٤٢.