فَقَالَ لَهُ جَعْفَر عديله: سألتك باللَّه، لو كنت ظفرت بإسماعيل، أكنت تُقعده في مثل هذه القبة وهذه الفرش، لا والله، ما كنت تحمله إِلا عَلَى قتَبٍ وتُؤذيه، فلمَ تلعنه؟
فلطم وجه نفسه، ونتف لحيته وصاح: يا ويله ويا عوله، بالفارسية.
ووجّه إلى عبد الله: اكفني مئونة هذا العيّار الطّنبوريّ [و] إلّا خنقت نفسي. فجاء عبد الله وأصلح بينهما، فَقَالَ عديله: فكم يُبرمني ويلعن صاحبي؟
ومن يصبر عَلَى هَذَا من أحمق قيمته مكاري. والله ما يحسن أن يقرأ الفاتحة ولا كيف يصلي.
وَلَهُ أخبار طويلة في مسيرنا بِهِ.
وَأَخْبَرَنَا عبد الله بن الفتح أَنَّهُ أمر بتقييده فجزع، وجعل يعد حُسن آثاره وطاعته، ولعمْري، لقد هلك أخوه يعقوب بعد هزيمته بثلاث سنين، فغلب عَلَى الأهواز، وحمل الأموال إلى السّلطان.
وَأَخْبَرَنِي عبد الله أَنَّهُ قَالَ لَهُ حين قيّده: كَانَ في أمس وراء هَذَا ستون ألف مقاتل، ومن الخيل والبغال والأموال كذا وكذا، فما نفعني الله بشيء من ذَلِكَ.
وتوجّه إسْمَاعِيل، فافتتح خُرَاسَان وطبرستان، وقتل محمد بن زيد العلوي، وأسَر ابنه، فأنفذ إِلَيْهِ لواء خُرَاسَان. وأُدخل عَمْرو مدينة السلام، وشُهر عَلَى فالج، يُقَالُ إِنَّهُ أهداه، فرأيته باسطًا يديه يدعو، فرق لَهُ النَّاس. ثُمَّ حبس في موضعٍ لا يراه فيه أحد حَتَّى مات.
وَقَالَ غيره: دخل بغداد على جمل له سنامان، وعليه جبّة ديباج وبُرْنس السَّخط، وَعَلَى الجمل الديباج والزينة، فَقِيلَ في ذَلِكَ:
وحسبُكَ بالصَّفَّار نُبْلا وعزَّةً ... يروح ويغدو في الجيوش أميرا
حباهم بأجمال ولم يدر أنه ... على جمل منها يقاد أسيرا [١]
فَلَمَّا أُدخل عَلَى المُعْتَضِد قَالَ: هَذَا ببغيك يا عَمْرو.
ولم يزل في حبْسه نحوًا من سنتين، وهلك يوم وفاة المعتضد.
[١] وفيات الأعيان ٦/ ٤٢٩.