للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمع الحاكم والده يقول: سمعتُ أبا العباس عيسى الطَّهْمانيّ يقول:

رأيت بخوارزم امرأة لا تأكل ولا تشرب ولا تَرُوث.

وقال: أبو صالح محمد بن عيسى: تُوُفّي في صفر سنة ثلاث وتسعين.

قال الحاكم: سمعتُ أبا زكريّا العنْبريّ يقول: سمعتُ أبا العبّاس، فذكر قصّة المرأة التي لا تأكل ولا تشرب، وأنها عاشت كذلك نيّفًا وعشرين سنة.

فَقَالَ: إنّ الله مُظْهِرًا ما شاء من آياته، فيزيد الإسلام بها عزًا وقوّة، وإنّ ممّا أدركنا عيانا، وشاهدناه في زماننا أنْ وردتُ عان [١] مدينةً من مدائن خوارزم، بينها وبين المدينة العظمى نصف يوم، فأُخبرت أنّ بها امرأة من نساء الشُّهداء رأت رؤيا كأنها أطْعمت في منامها شيئًا، فهي لا تأكل ولا تشرب منذ عهد عبد الله بن طاهر، ثمّ مررت بها سنة اثنتين وأربعين، فرأيتها وحدَّثتني بحديثها، ثمّ رأيتها بعد عشر سنين مشْيَتُها قوية، وإذا هي امرأة نَصَف، جيدة القامة، حَسنة البِنْية، متورِّدة الخَدين، فسايرتني وأنا راكب. فعرضت عليها مركبًا، فأبت وَبَقِيَتْ تمشي معي.

وحضر مجلس محمد بن حَمْدَوَيْه الحارثيّ، وهو فقيه قد كتب عنه موسى بن هارون، وَكَهْلٌ له عبارة وبيان يُسَمّى عبد الله بن عبد الرحمن، وكان قد تخلّف أصحاب في ناحيته، فسألتهم عنها، فأحسنوا القول فيها، وأثنوا عليها، وقالوا: أمرُها ظاهر، ليس فينا من يختلف فيه.

قال عبد الله: أنا أسمع أمرها من أيّام الحداثة، وقد فرَّغْت بالي لها، فلم أر إلّا ستْرًا وعَفَافًا. ولم أعثر على كذب في دعواها. وذكر أنّ من كان يلي خوارزم كانوا يُحْضِرونها الشَّهر والشَّهْرين في بيتٍ، ويُغلقون عليها.

قَالَ: فلمّا تواطأ أهل النّاحية على تصديقها سالتها، فقالت: اسمي رَحْمة بنت إبراهيم، كان لي زوج نجّار يأتيه رزقه يومًا فيومًا. وأنّها ولدت عدّة أولاد.

وجاء الأقطع ملك التُّرْك الغَزّيّة، فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة آلاف فارس.


[١] لم أتبيّنها في المعاجم.