للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَعْطُونِيهِ أَحْمِلْهُ، حَتَّى أَوْقَرَ جَمَلَهُ.

قَالا: فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ، اعْتَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ، وَابْنُهُ مُعَاوِيَةُ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَرَاءَ تَلٍّ، يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ [١] . وَركِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الصُّفُوفَ، فَأَمَرَهُمْ، وَحَضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ حَمْلَةَ [٢] رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: لَقَدْ حَزَرْتُ مَنْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدْبَرَ النَّاسُ فَقُلْتُ مِائَةُ رَجُلٍ: وَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى صفوان فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فو الله لا يَجْتَبْرُونَهَا [٣] أَبَدًا. فَقَالَ: أَتُبَشِّرُنِي بِظُهُورِ الأَعْرَابِ؟ فو الله لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَبًّ مِنَ الأَعْرَابِ. ثُمَّ بَعَثَ غُلامًا لَهُ فَقَالَ: اسْمَعْ لِمَنِ الشِّعَارُ؟ فَجَاءَهُ الْغُلامُ فَقَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، [يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ] [٤] ، يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: ظَهَرَ مُحَمَّدٌ. وَكَانَ ذَلِكَ شِعَارَهُمْ فِي الْحَرْبِ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَشِيَهُ الْقِتَالُ قَامَ فِي الرِّكَابَيْنِ، وَيَقُولُونَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَدْعُوهُ، يَقُولُ: «اللَّهمّ إِنِّي أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهمّ لا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْنَا» . وَنَادَى أَصْحَابَهُ: «يَا أَصْحَابَ الْبَيْعَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، اللَّهَ اللَّهَ، الْكَرَّةَ عَلَى نَبِيِّكُمْ» . وَيُقَالُ قَالَ: «يَا أَنْصَارَ اللَّهِ وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ» [٥] . وَأَمَرَ مَنْ يُنَادِيهِمْ بِذَلِكَ. وَقَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ فَحَصَبَ بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ، وَنَواصِيَهُمْ كُلَّهَا. وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» . وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ سِرَاعًا، وَهَزَمَ الله المشركين. وفرّ مالك بن عوف


[١] في المغازي لعروة «الدائرة» .
[٢] في الأصل «حمل» ، والمثبت من نسختي: ع، ح.
[٣] في الأصل، ح: «يحتبرونها» ، وفي ع: «يختبرونها» . ولعل الوجه ما أثبتناه، أخذا عن لفظ المقريزي في الإمتاع: والله لا يجتبرها محمد وأصحابه أبدا. من جبر الكسر والمصيبة وغيرهما، واجتبر الشيء أصلح أمره وأقامه.
[٤] سقطت من الأصل، وزدناها من ع، ح. ومغازي عروة.
[٥] في مغازي عروة زيادة «يا أصحاب سورة البقرة» .