بعد بكّار بْن قُتَيْبة بغير قاضٍ ثلاث سنين، ثمّ ولى خمارويه أبا عُبَيْد اللَّه محمد بْن عَبْدة المظالم بمصر. فنظر بين النّاس إلى آخر سنة سبْعٍ وسبعين ومائتين، ثمّ ولّاه القضاء، فأخبرنا محمد بن الرّبيع قَالَ: ثمّ ولي محمد بْن عَبْدة، فاظهر كتابه من قبل المعتمد. وكان جبّارًا متملّكًا سخيًا جوادًا مفضّلًا.
وذكر أَنَّهُ كَانَ لَهُ مائة مملوك ما بين خَصِيّ وفحْلٍ وكان يذهب إلى قول أَبِي حنيفة. وكان عارفًا بالحديث. واستكتب أبا جعفر الطَّحَاويّ، واستخلفه وأغناه.
وكان الشهود يرهبون أبا عُبَيْد اللَّه ويخافونه.
وابتنى دارًا هائلة، فحكي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أنفقتُ في هذه الدُّوَيْرة مائة ألف دينار سوى الثّمن. ودرهمي دينار. والسّعيدُ من قضى لي حاجة.
وكان مهيبًا.
وكان خِمَارُوَيْه، يعني السُّلْطان، يعظّمهُ ويجلّهُ، ويُجري عَلَيْهِ في كل شهر ثلاثة آلاف دينار. وكان ينظر في القضاء والمظالم والمواريث والحِسْبة والأحباس.
وكان لَهُ مجلس في الفِقْه، ومجلس في الحديث.
وحدثني إبراهيم بْن أحمد المعدّل، أنّ أبا عُبَيْد اللَّه وهْب لرجلٍ من أهل مصر اختلّت حاله لَا يعرفه في ساعةٍ واحدة ما بلغه ألف دينار.
وكان يُطْعِم النّاس في داره في العيد، فقلّ من يتأخّر عَنْهُ من الكِبار.
قَالَ: وتأخّر بعضُ الشُّهود عَنْ مجلسه، فأمر بحبسه. وكان الطَّحَاويّ يكتب لَهُ ويُحَلّفه ويقول بحضرته للخصوم: من مذهب القاضي أيّده اللَّه كذا، ومن مذهبه كذا حاملّا عنه المئونة وملقنًا لَهُ.
قَالَ: وأحسّ أبو عبد الله تِيهًا من الطَّحَاويّ فقال: ما هذا الّذي أنتَ فيه؟
واللَّه لأن أرسلتُ بقصبةٍ في حارتك لَتَرَينَّ النّاس يقولون: هذه قصبة القاضي.