للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أَنَّهُ حسده جماعةٌ لمّا قدِم إصبهان، لتبحّره في الحفظ، وأجرى يوما في مذاكرته ما قالته النّاحبة في عليّ، فنسبوا إِلَيْهِ الحكاية، وتقولوا عَلَيْهِ، وأقاموا بعض العلويّة خصْمًا، فاحضروه مجلسَ أَبِي ليلى، وأقاموا عَلَيْهِ الشهادة فيما ذكر محمد بْن يحيى بْن مَنْدَه، وأحمد بْن عليّ بْن الجارود، ومحمد بن العبّاس الأخرم، فأمر بقتله، فاتصل الخبر بمحمد بْن عَبْد اللَّه، فأتى وجرّحَ الشّهود، ونسبَ ابنَ مَنْدَه إلى العقوق لوالديه، ونسب ابن الجارود إلى أنّه يأكل الرّبا ويوكله النّاس، ونَسب الآخر إلى أَنَّهُ مُفْتَر غير صدوق. وأخذ بيد ابن أَبِي دَاوُد فأخرجه وخلّصه من القتل، فكان يدعو لَهُ طولَ حياته، ويدعو عَلَى الذين شهِدوا لَهُ. فاستجيب لَهُ فيهم، فمنهم من احترق، ومنهم من خلط وفقد عقله.

قلت: وقُتِل أبو ليلى الأمير في سنة أربعٍ وثمانين ومائتين.

قَالَ أبو الشَّيْخ: رأيتُ يُدار برأسه.

وقال أحمد بْن يوسف الأزرق: سَمِعْتُ ابن أَبِي دَاوُد غير مرّة يَقُولُ: كُلّ من بيني وبينه شيء فهو في حِلّ، إلّا من رماني ببُغْض عليّ رضى الله عنه.

قَالَ ابن عديّ [١] : سَمِعْتُ عليّ بْن عَبْد اللَّه الدّاهريّ: سألت ابن أَبِي دَاوُد عَنْ حديث الطّير، فقال: إن صحّ حديث الطّير فُنبوة النَّبِيّ صلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باطل، لأنّه حكي عَنْ حاجب النَّبِيّ صلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعني أنس، خيانة، وحاجب النَّبِيّ لَا يكون خائنًا.

قَالَ: وَسَمِعْتُ محمد بْنَ الضَّحَّاكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى محمد بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي داود بين يدي الله أَنَّهُ قَالَ: رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ حَفِيَتْ أَظَافِيرُ عَلِيٍّ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَتَسَلَّقُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [٢] .

قَالَ الذَّهبيّ: هذه حكايةٌ باطلة، لعلّها من كذب النّواصب، قبحّهم اللَّه.

وقال ابن عديّ [٣] : لولا أنّا شَرَطْنا أنّ كلّ من تكلّم فيه ذكرناه لما ذكرت


[١] في الكامل ٤/ ١٥٧٧.
[٢] انظر: ذكر أخبار أصبهان ٢/ ٢١١ في ترجمة (محمد بن عبد الله بن الحَسَن بن حفص) .
[٣] في الكامل ٤/ ١٥٧٧، ١٥٧٨.