وكانوا زاهدين في حضور مجلسه. وما رأيت في مجلسه قطّ في ذلك الوقت إلا دون العشرة غرباء، بعد أنّ يسأل بنوه الغرباء مرةً بعد مرّة حضور مجلس أبيهم، فيقرأ عليهم لفظًا.
وكان مُجّانهم يقولون: ابن مَنِيع شجرة تحمل دَاوُد بْن عَمْرو الضَّبّيّ، أي من كثرة ما يروي عَنْهُ. وما علمت أحدًا حدَّثَ عَنْ عليّ بْن الْجَعْد أكثر مما حدَّثَ هُوَ.
وسمعه قاسم المطرّز يَقُولُ: ثنا عُبَيْد اللَّه العَيْشيّ. فقال القاسم: في حُرِّمّ من يكذب.
وتكلّم قومٌ فيه عند عَبْد الحميد الورّاق، ونسبوه إلى الكذب فقال: هُوَ أنغش من أنّ يكذب، يعني ما يُحْسِن.
قَالَ: وكان بذيء اللّسان، يتكلّم في الثّقات.
وسمعته يَقُولُ يوم مات المَرْوَزِيّ محمد بْن يحيى: أَنَا قد ذهبَ بي عمّي إلى أَبِي عُبَيْد، وعاصم بْن عليّ، وسمعتُ منهما.
ولمّا مات أصحابه احتمله النّاسُ واجتمعوا عَلَيْهِ، ونفق عندهم، ومع نَفاقه وإسناده كَانَ مجلس ابن صاعد أضعاف مجلسه.
قلت: قد بالغ ابن عديّ من الحطّ عَلَى البَغَويّ، ولم يقدر يُخرّج لَهُ ممّا غلط فيه سِوَى حديثين.
ثمّ قَالَ: والبغوي كَانَ معه طرف من معرفة الحديث ومن معرفة التصانيف. وطال عمره، واحتاجوا إِلَيْهِ، وقَبِله النّاس. ولولا أنّي شرطت أن كلَّ من تَكلَّم فيه متكلمٌ ذكرته، وإلّا كنتُ لَا أذكره.
وقال الحافظ عَبْد الغني الْمَصْرِيّ: سألت أبا بَكْر محمد بْن عليّ النّقّاش:
تحفظ شيئًا ممّا أخذ عَلَى ابن بنت مَنِيع؟
قَالَ: غلط في حديث، عَنْ محمد بْن عَبْد الوهّاب، عَنْ أَبِي شهاب، عَنْ أَبِي إِسْحَاق الشَّيْبانيّ، رواه عَنْ محمد، وإنّما سمعه من إبراهيم بْن هانئ، عَنْهُ. فأخذه عَبْد الحميد الورّاق بلسانه ودارَ عَلَى أصحاب الحديث. فبلغ ذَلِكَ