للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحدث أنّ الرّاضي باللَّه قطع لسان أبيه قبل موته وقتله بالجوع. قال: وكان سبب ذلك أنّ الرّاضي تندَّم على قطع يده، واستدعاه من حبسه واعتذر إليه. وكان بعد ذلك يشاوره في الأمر بعد الأمر، ويعمل برأيه ويخلو به، ورفهه في محبسه، ونادمه سرًا على النبيذ، وأنس به ونبُل في نفسه، وزاد ندمه على قطع يده.

فبلغ ابن رائق، فقامت قيامته، فدس إلى الخليفة من أشار عليه بأن لا يدنيه، وقال له: إن الخلفاء كانت إذا غضبت لم ترض. وهذا قد أوحشته فلا تأمنه على نفسك.

فقال: هذا مُحال، فهو قد بطل عن أن يصلُح لشيء، وإنّما تريدون أن تحرموني الأنس به.

فقيل له: ليس الأمر كما يقع لك، وهو لو طمع في أنك تستوزره لكلمك، فإن شئت فاطمعه في الأمر حتّى ترى- فقد كان أبي يتعاطى أن يكتب باليسُرى، فجاء خطّه أحسن من كل خطّ، لا يكاد أن يفرق بينه وبين خطه باليمين، وجاءتني رقاعه مرات من الحبس باليسرى، فما أنكرته.

قال: وتوصّل ابن رائق إلى قومٍ من الخَدَم بأن يقولوا لابن مقلة إنّ الخليفة قد صحّ رأيه على استيزارك، وسيخاطبك على هذا، وبشرناك بهذا لنستحق البشارة عليك. فلم يشكّ في الأمر وقالوا هم للراضي: جرِّبه وخاطبْه بالوزارة لترى ما يجيبك به. فخاطبه بذلك، فأراه أبي نفورًا شديدًا وقصورًا عنه.

فأخذ الرّاضي يحلف له على صحة ما في نفسه من تقليده ولو عِلم أنّ فيه بقية لذلك وقيامًا به.

فقال: يا أمير المؤمنين إذا كان الأمرُ هكذا فلا يغمّك الله بأمر يدي، فإنّ مثلي لا يُراد منه إلا لسانه ورأيه وهما باقيان. وأمّا الكتابة فلو كنتُ باطلًا منها لمّا ضرني ذلكَ، وكان كاتب ينوب عني. ولست أخلو من القدرة على تعليم العلامات باليُسْرَى. ولو أنها ذهبت اليسرى أيضًا حتّى أحتاج أن أشد قلمًا على اليمنى لكنت أحسن خطًا.

فلمّا سمع ذلك تعجب واستدعى دواةً فكتب باليسرى خطًا لا يشك أنه خطه القديم، ثمّ شدّ على يمينه القلم. فكتب به في غاية الحُسْن. فقامت قيامة الرّاضي واشتد خوفه منه. فلمّا قام إلى محبسه أمرَ أن تنزع ثيابه عنه، وأن يُقْطع