للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى أَنَّ الْوَبَرَ لِي وَالْمَدَرَ لَكَ [١] . قَالَ: يا عامر أسلم. فأعاد قوله. قال: لا.

فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلا جُرْدًا وَرِجَالا مُرْدًا، وَلأَرْبِطَنَّ بِكُلِّ نَخْلَةٍ فَرَسًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اكْفِنِي عَامِرًا واهْدِ قَوْمَه» . فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ صَادَفَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا سَلُولِيَّةُ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَنَامَ فِي بَيْتِهَا، فَأَخَذَتْهُ غُدَّةٌ فِي حَلْقِهِ، فَوَثَبَ عَلَى فَرَسِهِ، وَأَخَذَ رُمْحَهُ، وَأَقْبَلَ يَجُولُ، وَيَقُولُ: غُدَّةُ كغدّة الْبَكْرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةَ. فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ حَالَهُ حَتَّى سَقَطَ مَيِّتًا [٢] .

وقال ابن إِسْحَاق [٣] :

قدِم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفدُ بني عامر، فيهم: عامر بْن الطُّفَيْلِ. وأَرْبَد ابن قيس، وخالد بْن جَعْفَر، وحيّان بْن سَلَم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم.

فقدِم عامرُ عدوّ اللَّه عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أنَّ يَغْدِر بِهِ. فقال لَهُ قومه:

إنّ النّاس قد أسلموا. فقال: قد كنت آليْتُ أنَّ لَا أَنْتَهي حتّى تَتْبَع العربُ عَقِبي، فأنا أتبعُ عَقِبَ هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد: إذ قدِمنا عَلَيْهِ فإنّي شاغلٌ عنك وَجْهه، فإذا فعلتُ ذَلِكَ فاعْلُهُ بالسيف.

فلمّا قدِموا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عامر: يا مُحَمَّد، خَالِّني [٤] . فقال:

لَا والله، حتّى تؤمن باللَّه وحده، فقال: والله لأملأنّها عليك خَيْلًا، ورِجَالًا.

فلمّا ولّى قَالَ: «اللَّهمّ اكْفِني عامرًا» . ثمّ قَالَ لأَربَد: أَيْنَ ما أمرتُكَ بِهِ؟ قَالَ:

لَا أَبَا لَكَ، والله ما هممتُ بالذي أمرتني بِهِ من مرّةٍ إلّا دخلت بيني وبينه،


[١] الوبر: وبر الإبل كنى به عن البوادي لأن بيوتهم يتخذونها منه. والمدر: قطع الطين اليابس، ويعني به المدن أو الحضر.
[٢] انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة ١/ ٢٥٢ ومجمع الأمثال للميداني ٢/ ٣، وفصل المقال للمامقاني ٢٩٨، وإمتاع الأسماع للمقريزي ٥٠٧، وعيون الأثر لابن سيد الناس ٢/ ٢٣٢، وسيرة ابن هشام ٤/ ٢٠٧.
[٣] الخبر في سيرة ابن هشام ٤/ ٢٠٦- ٢٠٧.
[٤] خالّه وخالله: اتخذه خليلا.