للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكَذَّاب، فكان مَنْزَلهم [١] فِي دار بِنْت الحارث الأنصارية. فحدّثني بعض علمائنا أنّ بني حَنِيفَة أَتَتْ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتُرُه بالثّياب، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسٌ مَعَ أصحابه معه عَسِيبُ نخلٍ فِي رأسه خُوصاتٌ. فلمّا كَلَّم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لو سألتني هذا العَسيبَ ما أعطيتُكَهُ» . قَالَ ابن إِسْحَاق [٢] : وحدّثني شيخٌ من أهُل اليمامة أنّ حديثه كَانَ عَلَى غيرَ هذا، زَعَم أنّ وفد بني حنيفة أَتَوْا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلَّفوا مُسَيْلِمَة فِي رحَالِهم، فلمّا أسلموا ذكروا لَهُ مكانه فأمر لَهُ رَسُول الله صلى اللَّهِ بمثل ما أمر بِهِ لهم، وقال: «أمَا إنه ليس بأشرِّكم مكانًا، يعني حِفْظَهُ ضيعة [٣] أصحابه. ثم انصرفوا وجاءوه بالذي أعطاه. فلمّا قدِموا اليمامة ارْتَدَّ عَدُوُّ اللَّه وتَنَبَّأَ، وقال: إنّي أُشْرِكتُ فِي الأمر مَعَ مُحَمَّد، ألم يقل لكم حين ذكرتموني لَهُ أما إنه ليس بأشرِّكم مكَانًا؟ وما ذَلِكَ إلّا لِما يعلم أنّي قد أُشركت معه. ثمّ جعل يَسْجَع السَّجعات فيقول لهم فيما يَقُولُ مُضاهاةً للقرآن: لقد أنعم اللَّه عَلَى الْحُبُلِىِّ، أخرج منها نَسَمةً تَسْعَى، من بين صِفاقٍ [٤] وحَشى. ووضع عَنْهُمْ الصلاة وأحلّ لهم الزِّنا والخمر. وهو مَعَ ذَلِكَ يشهد لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نبيّ. فأَصْفَقَتْ [٥] معه بنو حَنِيفة عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، ثنا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يقول:


[١] في النسخ الثلاث: منزلتهم. وأثبتنا نص ابن هشام. والمنزل: النزول.
[٢] السيرة ٤/ ٢١٠، تاريخ الطبري ٣/ ١٣٧- ١٣٨.
[٣] في الأصل: «صنعة» ، والتصحيح من ع، ح.
[٤] الصفاق: الجلد الأسفل تحت الجلد الّذي عليه الشعر، أو ما بين الجلد والمصران، أو جلد البطن كله.
[٥] أصفقت: أجمعت.