للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما مات الإخشيد تقرَّر كافور مدبّرًا لولد الإخشيد، فأنف فاتك المجنون من الإقامة بمصر كَيْلا يكون كافورُ أعلى مرتبةً منه. وانتقل إِلَى أقطاعه، وهي بلاد الفيُّوم، فلم يصحّ مزِاجه بِهَا لوَخَمها، وكان كافور يخافه ويكُرْمه، فمرض وقدِم مصر ليتداوى، وبها المتنبيّ، فسمع بعظمة فاتك وبكَرمه، ولم يجسر أن يمدحه خوفًا من كافور. وكان فاتك يراسله بالسّلام ويسأل عَنْهُ. فاتفق اجتماعهما يومًا بالصّحراء، وجرت بينهما مفاوضات، فلما رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبيّ هديةً بقيمة ألف دينار، ثمّ أتْبعَها بهدايا بعدها فاستأذن المتنبيّ كافورًا فِي مدْحه، فأذِنَ لَهُ، فمدحه بقصيدته التي أولها:

لا خَيلَ عندك تُهْديها ولا مالُ ... فلْيُسْعِد النُّطْقُ إن لم تُسْعِد الحالُ [١]

إلى أن قَالَ فِيهَا:

كفاتك ودخول الكاف منْقَصَةٌ ... كالشّمس قلتُ: وما للشّمس أمثالُ [٢]

قلتُ: وليس هُوَ بفاتك الخَزْنَدَار الإخشيدي الّذي ولي إمرة دمشق سنة خمس وأربعين [٣] .


[١] ديوان المتنبّي ٥٠٢.
[٢] ديوان المتنبّي ٥٠٦.
[٣] يقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : لقد سبق للمؤلّف- رحمه الله- أن ذكر وفاة فاتك المجنون أبي شجاع في حوادث سنة ٣٥٠ هـ. وقال إنه: «أكبر مماليك الإخشيد. ولي إمرة دمشق. وكان فارسا شجاعا، وقد رثاه المتنبّي» .
والمؤلّف- رحمه الله- يقول هنا: وليس هُوَ بفاتك الخَزْنَدَار الإخشيدي الّذي ولي إمرة دمشق سنة خمس وأربعين» .
فأيّ القولين هو الصحيح؟ وهل كان يوجد أكثر من أمير اسمه «فاتك» ولقبه «أبو شجاع» وفي وقت واحد؟
وعلى هذا أجيب، بأنه كان في أواخر القرن الثالث الهجريّ من هو بهذا الاسم وتلك الكنية، وهو (أبو شجاع فاتك المعتضدي) الّذي قتل في سنة ٢٩٦ هـ. (انظر: الكامل في التاريخ ٨/ ١٤) ، وهذا خارج المناقشة.
أما الّذي تولّى إمرة دمشق- حسب ابن عساكر، والصفدي الّذي ينقل عنه- فهو «فاتك أبو شجاع المعروف بالخازن، ولي إمرة دمشق فدخلها يوم الأربعاء لثمان بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة من قبل أبي القاسم أنوجور وأبي الحسن علي بن الإخشيد أبي بكر محمد بن طغج. وامتدّت أيامه، وبقي إلى أن عزل بفنك الكافوري» تاريخ دمشق (مخطوطة