للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَرَقِيَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ. فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلا حَسَنَ الشَّعْرِ وَسِيمًا [١] . فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظُّعُنُ [٢] يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ. حَتَّى إِذَا أَتَى مُحَسِّرًا [٣] حَرَّكَ قَلِيلا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُكَ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْمَسْجِدِ، فَرَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصْيِ الْخَذْف [٤] رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً [٥] ، وَأَعْطَى عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ [٦] وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ [٧] فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، وَطُبِخَتْ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.

ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى عَلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ» . فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [٨] ، ودون قوله: يحيي ويميت.


[١] في صحيح مسلم «حسن الشعر أبيض وسيما» .
[٢] الظعن: مفردها ظعينة، وهي البعير الّذي عليه امرأة. وتسمّى به المرأة مجازا لملابستها البعير.
[٣] محسر، ويقال بطن محسر: واد قرب المزدلفة بين عرفات ومنى. وفي كتب المناسك أنه وادي النار، قيل إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته. وقيل إن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيى وكلّ.
[٤] في الأصل: «الحدف» . والتحرير من ع، ح. وحصي الخذف أي حصي صغار بحيث يمكن أن يرمى بإصبعين. والحذف في الأصل: الرمي.
[٥] في صحيح مسلم «بيده» بدل «بدنة» .
[٦] ما غير ما بقي منها.
[٧] البضعة: القطعة من اللحم.
[٨] في كتاب الحج، (١٢١٨) باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم.