للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا فقير مكفوف فِي عباءة يَقُولُ: أشتهي تفاحة.

فناولته إيّاهما. فلمّا عبرتُ وقع لي أنّ الشَّيْخ إنّما بعثهما إليه فرجعتُ فلم أجد الفقير.

وقال أَبُو نُعَيْم الحافظ [١] : ثنا غير واحد ممّن لقي أَبَا الخير يَقُولُ أن سبب قطع يده أنّه كَانَ عاهد اللَّه أن لا يتناول لشهوة نفسه شيئًا، فرأى يومًا بجبل لُكَّام [٢] شجرة زَعْرُور [٣] ، فأخذ منها غصنًا قطعه وأكل من الزَّعرُور، فذكر عهده فرماه. ثمّ كَانَ يَقُولُ: قطعتُ عضوًا من شجرة فقطع مني عضوًا.

وقال أَبُو ذَرٍّ عَبْد بْن أَحْمَد الحافظ: سَمِعْتُ ابن أَبِي الخير الأقطع بمصر يَقُولُ، وكان صالحًا، وسألته: لِمَ كَانَ أَبُوهُ أقطع؟ فذكر أنّه كَانَ عبدًا أسود قَالَ:

فضاق صدْري، فدعوتُ اللَّه فأُعْتِقتُ، فكنتُ أجيء إلى الإسكندريّة فأحتطب وأتقوَّت بثمنه. وكنتُ أدخل المسجد وأقف عَلَى الحلَق. فسهَّل اللَّه تعالي عَلَى لسانهم ما كنتُ أريد أن أسأل عَنْهُ فأحفظه وأعمل بِهِ فسمعتُ مرّةً حكاية يحيى بْن زكريّا عَليْه السَّلَامُ وما عملوا بِهِ، فقلت فِي نفسي: إن اللَّه أبتلاني بشيءٍ فِي يدي صبرتُ.

ثمّ خرجت إلى ثغر طَرَسُوس، وكنتُ آكل المباحات، ومعي جحفة وسيف. وكنتُ أقاتل العدوَّ مَعَ النّاس، فأواني الليل إلى غارٍ، فقلتُ فِي نفسي:

إنيّ أزاحم الطير في أكل المُبَاحات. فنويت أن لا آكل. فمررتُ بعد ذَلِكَ بشجرة، فقطعت منها شيئًا، فلمّا أردتُ أن آكلها ذكرتُ فرميته. ثمّ دخلت المغارة، فإذا قومٌ لصوص، فلم نلبث أن جاء صاحب الشرطة، فدخل الغار فأخذهم وأخذني معهم.


[١] في: حلية الأولياء ١٠/ ٣٧٨.
[٢] في: حلية الأولياء: «بجبل الكام» وهذا غلط، والصحيح «جبل اللّكّام» ، بالضمّ وتشديد الكاف، ويروى بتخفيفها، وهو في شعر المتنبّي مخفّف، قال:
بها الحبلان من صخر وفخر ... أنافا ذا المغيث وذا اللّكام
وهو الجبل المشرف على أنطاكية وبلاد ابن ليون والمصّيصة وطرسوس وتلك الثغور. (معجم البلدان ٥/ ٢٢) وانظر: مادّة «لبنان» - ص ١١.
[٣] الزّعرور: ثمر ينضج في الصيف ويحلو إذا اشتدّ اصفراره ومال إلى الحمرة، وهو يزرع في بلاد الشام، والمشهور منه في صيدا ونواحيها، ويعرف هناك ب «الأكي دنيا» .