للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمر له بثلاثمائة دينار.

وكان كافور يُدْني الشعراء ويُجِيزُهُم، وكان يُقرأ عنده كل ليلة السّيَر وأخبار الدولة الأموّية والعبّاسية، وله نُدَماء. وكان عظيم الحِمّيَة يمتنع من الأسواق [١] ، وعنده جَوَارٍ مُغَنّيات، وله من الغلمان الرُّوم والسُّود ما يتجاوز الوصف. زاد مُلْكُه على ملك مولاه الإخشيذ، وكان كريمًا كثير الخِلَع والهِبات، خبيرًا بالسياسة، فطِنًا ذكيًّا جيّد العقل داهيةً، كان يُهادي المُعِزّ صاحب المغرب ويُظْهِر مَيْلَه إليه، وكذا يُذْعن بطاعة بني العباس ويُداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء.

ولما فارق المتنّبي سيفَ الدولة مُغَاضِبًا له سار إلى كافور وقال:

قواصدَ كافورٍ تَوَارِكَ غيرِهِ ... ومن قصد البحرَ استقَلَّ السَّوَاقيا

فجاءت بنا أنسانَ عين زمانه ... وخلّت بياضًا خَلْفَهَا ومآقيا [٢]

فأقام عنده أربع سنين يأخذ جوائزه. وله فيه مدائح، وفارقه سنة خمسين، وهجاه بقوله:

مَن علَّم الأسودَ المَخْصِيّ مَكرُمَةً ... أَقَومُه [٣] البيضُ أَمْ آباؤُه الصّيد

وذاك أنّ الفُحُولَ البِيض عاجزةٌ ... عن الجميل فكيف الخصية السّود [٤]


[ () ]
وإن يكن خفض الأيام من غلط ... في موضع النصب لا عن قلّة البصر
فقد تفاءلت من هذا لسيّدنا ... والفأل مأثور عن سيّد البشر
بأن أيّامه خفض بلا نصب ... وأن أوقاته صفو. بلا كدر
أقول أنا المحقّق الفقير إلى الله تعالى عمر بن عبد السلام التدمري الطرابلسي اللبناني:
وردت هذه الأبيات في وفيات الأعيان، والنجوم الزاهرة، وبغية الوعاة، وغيره، وعنها صحّحنا الألفاظ التي أخطأ الناسخ في كتابتها. (ورقة الأصل ٦١) .
[١] في الأصل «الأمراق» ، والتصحيح عن حاشية النجوم الزاهرة ٤/ ٦ رقم ١، وفي متن النجوم «الأمراء» .
[٢] البيتان في ديوان المتنبّي ٤/ ٤٢٣، ٤٢٤ من قصيدة مشهورة مطلعها:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
[٣] في الأصل «أقوامه» .
[٤] البيتان في الديوان ٢/ ١٤٧، ١٤٨ من قصيدة مطلعها:
عيد بأيّة حال عدت يا عيد ... بما مضى أم بأمر فيك تجديد