للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البغدادي، أبو الفرج.

كان يهوديا خبيثًا ماكرًا فَطِنًا داهية. سافر ونزل الرَّملة، وصار بها وكيلًا، فكسر أموال التجار، وهرب إلى مصر، ثم توصّل، وجرت له أمور، فرأي منه كافور الإخشيذي فِطْنَةً وسياسة، وطمع هو في التقدُّم، فأسلم في يوم جمعة، فقصده الوزير ابن حنزابه لما فهم مرامه، فهرب إلى المغرب، واتّصل بيهودٍ كانوا في خدمة المُعِزّ، فعَظُم شأنه، ونَفَق على المُعِزّ، وجاء معه إلى مصر، فلما ولي العزيز، استوزره سنة خمسٍ وستّين، وبقي وزيره إلى أن هلك، وهو وزير في هذه السنّة في ذي القعدة، وله اثنان وستون سنة.

وكان عالي الهمّة وافر الهَيْبَة، عاده في مرضه العزيز وقال له: يا يعقوب ودِدتُ أن تُباع فأشتريك بملكي، فهل من حاجةٍ؟ فبكى وقبّل يده، وقال: أمّا لنفسي فلا يحتاج مولاي وصيّة، ولكن فيما يتعلّق بك: سالم الروم ما سالموك، واقنع من بني حمدان بالدَّعْوة والشُّكْر، ولا تُبْقِ على المفرَّج بن دَغْفَل متى أَمْكَنتْك فيه الفرصةُ، فأمر به العزيز، فدُفِن في القصر، في قُبة بناها العزيز لنفسه، وصلّى عليه، وألْحَدَه بيده، وتأسّف عليه، وهذه المنزلة ما نالها وزير قطّ من مخدومه.

وقيل إنّه حَسُنَ إسلامُهُ، وقرأ القرآن والنَّحْوَ، وكان يجمع عنده العلماء وتُقْرأ عليه مصنّفاته ليلة الجمعة، وله إقبال زائد على العلوم على اختلافها، وقد مدحه عدّة شعراء، وكان كريمًا جَوَادًا.

ومن تصانيفه كتاب في الفقه [١] ممّا سمعه من المُعِزّ والعزيز، وجلس سنة تسعٍ وستّين مجلسًا في رمضان، فقرأ فيه الكتاب بنفسه، وسمعه


[ () ] التاريخ ٩/ ٧٧، الدرة المضية ١٣١، ١٤١، ١٥٩، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٨، ١٨٩، ١٩٢، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٣٢٧، ٢٣٠، ٥٩٣، النجوم الزاهرة ٤/ ١٥٨، شذرات الذهب ٣/ ٩٧، الإشارة إلى من نال الوزارة ١٩- ٢٣، تاريخ التراث العربيّ ٢/ ٣٢٧، بدائع الزهور ج ١ ق ١/ ١٩٦، النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة ٢١٥، وفيات الأعيان ٧/ ٢٧- ٣٥، المواعظ والاعتبار ٢/ ٥- ٨، حسن المحاضرة ٢/ ٢٠١، سير أعلام النبلاء ١٦/ ٤٤٢- ٤٤٤ رقم ٣٢٧، طبقات الشافعية للإسنويّ ٢/ ٣٨٠، ٣٨١، عيون الأخبار- السبع السادس ٢٢٨- ٢٤١، تاريخ الأنطاكي.
[١] يسمّى «مصنّف الوزير» (عيون الأخبار ٢٣٢) كما يعرف بالرسالة الوزيرية (الإشارة ٢١) .