للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشدة» [١] أن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ بْن سَعِيد النّصيبينى [٢] حدّثه قال: سرّ أبو الفتح، فطلب النُّدماء، وهيَّأ مجلسًا عظيمًا بآلات الذّهب والفضة والمغاني والفواكه، وشرب بقيّة يومه، وعامّه ليلته، ثم عمل شعرًا وغَنَّوا بِهِ، يَقُولُ فِيهِ:

إذا بلغ المرء آماله ... فليس إلى بعدها مُنْتَزَحُ

وكان هذا بعد تدبيره عَلَى الصّاحب، حتى أبعده عَنْ مؤيَّد الدولة، وسيَّره إلى إصبهان، وانفرد بالدَّسْت، ثم طرب بالشعر، وشرب إلى أن سكر، وقَالَ: غطُّوا المجلس لاصطبح عَلَيْهِ غدًا، وقَالَ لنُدَمَائه: باكروني، ثم نام، فدعاه مؤيَّد الدولة فِي السَّحَر، فقبض عَلَيْهِ، وأخذ ما يملكه، ومات فِي النَّكبة، ثم عاد الصّاحب إلى الوزارة.

قلت: وبقي فِي الوزارة ثمانية عشر عامًا، وفتح خمسين قلعة، وسلّمها إلى فخر الدولة، لم يجتمع منها عشرة لأبيه. وكان الصّاحب عالمًا بفنون كثيرة من العلْم، لم يُدانه فِي ذَاك وزير، وكان أفضل وزراء الدولة الدَّيْلَمِيّة، وأغزرهم علمًا، وأوسعهم أدبًا، وأوفرهم محاسن. وقد طوَّل ابن النَّجَّار ترجمته وجوَّدها.

أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلامَةَ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ، أَنَا أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا الصَّاحِبُ بْنُ عبّاد، أملانا أبو الحسن بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْقَزَّازُ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْر وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ [٣] السَّرِيرِ. قَالَ الصَّاحِبُ: قَدْ شَارَكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي إِسْنَادِهِ.

قِيلَ: كَانَ ابن عبَّاد فصيحًا مفوهًا، لكنه يتقعر فِي خطابه، ويستعمل وحْشِي اللغة، حتى فِي انبساطه، يعيب التّيه ويتيه، ولا ينصف من ناظره.

وقيل: كَانَ مشوَّه الصورة، وصنّف فِي اللغة كتابًا سمّاه «المحيط» فِي سبع


[١] لم أجد هذه الرواية في المطبوع من الكتاب.
[٢] النّصيبينى النصيبي: بفتح النون وكسر الصاد وسكون الياء وكسر الباء الموحّدة. نسبة إلى نصيبين، مدينة مشهورة من بلاد الجزيرة. (اللباب ٣/ ٣١٢) .
[٣] في الأصل «أما» .