للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ [١] .

وَفِيهَا لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ يَتَتَبَّعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللَّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ [٢] ، حَتَّى جَمَعَهُ زَيْدٌ فِي صُحُفٍ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ [٣] : وَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ فُتُوحِ مَدَائِنِ كِسْرَى الَّتِي بِالْعِرَاقِ صُلْحًا وَحَرْبًا خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مُتَكَتِّمًا بِحَجَّتِهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ تَعْتَسِفُ [٤] الْبِلَادَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَتَأَتَّى لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَأَتَّ لِدَلِيلٍ، فَسَارَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْحِيرَةِ [٥] لَمْ يُرَ قَطُّ أَعْجَبُ مِنْهُ وَلَا أَصْعَبُ، فَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَنِ الْجُنْدِ يَسِيرَةً، فَلَمْ يَعْلَمْ بِحَجِّهِ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ أَفْضَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ.

فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجِّهِ عَتَبَهُ وَعَنَّفَهُ وَعَاقَبَهُ بِأَنْ صَرَفَهُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا وَافَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجِّهِ بِالْحِيرَةِ يَأْمُرُهُ بِانْصِرَافِهِ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ بِهَا مِنْ جُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْيَرْمُوكِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِهَا [٦] .


[١] الإصابة ١/ ١٥٨.
[٢] أخرجه البخاري في فضائل القرآن ٩/ ٨، ١١ باب جمع القرآن، وأحمد في المسند ٥/ ١٨٨، و ١٨٩، والفسوي في المعرفة والتاريخ ١/ ٤٨٥، والطبراني في المعجم الكبير (٤٩٠١) ، وابن أبي داود في المصاحف ٦ و ٩ والعسب: جمع عسيب. وهو جريد النخل إذا نحّي عنه خوصه.
وكانوا يكتبون في تلك الأشياء لقلّة القراطيس عندهم في ذلك الوقت.
[٣] في تاريخ الرسل والملوك ٣/ ٣٨٤.
[٤] اعتسف الطريق: إذا قطعه دون صوب توخّاه فأصابه.
[٥] عند الطبري «طرق أهل الجزيرة» .
[٦] الطبري ٣/ ٣٨٤، ٣٨٥، الكامل لابن الأثير ٢/ ٤٠٠.