قدما يروم فتوح فتوح وخلّف معظم العسكر، فوصل إليها في شعبان سنة تسعٍ، وقد فارقها الملك إقبال منهزمًا، فتتّبع السّلطان قلاعها، وكانت سبعة عَلَى البحر، وفيها قريبٌ من عشرة آلاف بيت من الأصنام، تزعم المشركون أنها متوارثة منذ مائتي ألف سنة إلى ثلاثمائة ألف سنة كذبًا وزورًا، ففتحها كلَّها في يوم واحد، ثمّ أباحها لجيشه فانتهبوها. ثمّ ركض منها إلى قلعة البراهمة، وتعرف بمنح، فافتتحها وقتل بها خلقًا كثيرًا، ثمّ افتتح قلعة جندراي وهي ممن يُضرب المثل بحصانتها.
وذكر أبو النّصر ذَلِكَ مطولًا مفصّلًا بعبارته الرائقة، فأسهب وأطنب. فلقد أقَّر عين السّامع، وسرَّ المسلم بهذا الفتح العظيم الجامع، وللَّه الحمد عَلَى إعلاء كلمة الإسلام، وله الشُّكر عَلَى إقامة هذا السّلطان الهمام.
وبعد الأربعمائة كَانَ قد غلب عَلَى بلاد ما وراء النّهر أيلك خان أخو صاحب التُّرك طُغَان الكبير، وهما مهادنان للسّلطان يمين الدّولة محمود بن سبكتكين، فقويت نفوسهما عليه مكرا ورواغا، وبقي كلّ واحدٍ منهما يُحيل عَلَى الآخر. فبعثوا رُسُلهم، فأكرم الرُّسُلَ، وأظهر الزّينة، وعرضَ جيشه.
قَالَ أبو النَّصر محمد بْن عَبْد الجبّار: فأمر بتعبئة جيوشه وتغشية فيوله، ورتَّب العسكر سِماطين في هيئة، لو رآها قارون قَالَ: يا ليت لي مثل ما أوتي محمود. فصفّ نحو ألفي غلام تُرْك في ألوان الثّياب، ونحو خمسمائة غلام بُقربه بمناطق الذَّهب المرصّعة بالجواهر، وبين أيديهم أربعون فيلًا من عظام الأفيلة بغواشي الدّيباج. ووراء السّماطين سبعمائة فيل في تجافيف مشهرة الألوان، وعامّة الجيش في سرابيل قد كدّت القيون وردّت العيون، وأمامهم الرجال بالعُدد، وقام في القلب كالبدر في ظُلمة الدّيجور. وأذن للرُسُل حينئذٍ، ثمّ عُدِل بهم إلى الموائد في دارٍ مفروشة بما لم يُحْك عَنْ غير الجنّة. ففي كلّ مجلس دُسُوت من الذَّهب من جفانٍ وأطباق، فيها الأواني الفائقة والآلات الرائقة، وهّيأ لخاصّ مجلسه طارم قد جُمعَتْ ألواحه وعضادته بضباب الذَّهب وصفائحه وفُرش بأنواع الدّيباج المذهَّب، وفيه كُوَّات مضلَّعة، تشتمل عَلَى أنواع الجواهر الّتي أعْيَتْ أمثالها أكاسرة العجم، وقياصرة الروم، وملوك الهند،