للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوحش أختَه بمراسلاتٍ قبيحة، وأنّها ترتكب الزّنا. فراسلت ابن دوّاس


[ () ] وقد أورد هذا الخبر بتفصيل وإسهاب مؤرّخ نصراني معاصر للحاكم بأمر الله هو «يحيى بن سعيد الأنطاكي» المتوفى سنة ٤٥٨ هـ. وكان بطريركا على الإسكندرية، وذلك في كتابه «تاريخ الأنطاكي» المعروف بصلة تاريخ أوتيخا، وقد ذكره في حوادث سنة ٤١٠ هـ. فقال:
«وظهر في أيدي المصريّين أبيات شعر وقصائد منسوبة إلى الحاكم تنضمّن وعيده لهم بحريق دورهم، ونهب أموالهم، وسبي حريمهم، وسفك دمائهم، وكثر الإرجاف بهم، فقرئ عليهم سجلّ بتطمينهم، ويزيل سوء ظنّهم» .
وتناسخوا أيضا كتابا ذكروا أنه من الحاكم، تاريخه العشر الأخير من شهر رمضان سنة عشر وأربعمائة، يتضمّن تفنيدهم على تخلّفهم عن تسليم الحق إلى أهله، وتركهم التشاغل بعيوب نفوسهم، واعتراضهم عليه فيما يفعله، ويشير عليهم بالمبادرة إلى الإيمان في أوانه وقبل فواته، ويوبّخهم على مخالفتهم إيّاه فيما قصد بهم إليه ممّا يعود عليهم بالقرب إلى باريهم، ومجاهرتهم له بما أتوه من الخطايا وتظاهروا به من البدع، ويتواعدهم بأن كل عقوبة سيحلّها بهم إن لم يزروا الشّر ويعملون الخير ويعمدوا عليه، ويسلّموا إلى إمام دهرهم، ويولجوا إليه أمرهم، ويذكّرهم بما تقدّم من إنذاره لهم، وتخويفه إيّاهم على مباينته، ويعد من قبل أوامره واحتذى مرضاته بالإحسان إليهم والإبقاء عليهم، ويحذّر من صبر على الأفعال المنكرة بخلاء ديارهم، وتعفية آثارهم، وسبي نساءهم (كذا) وأولادهم، ونهب أموالهم، وأنهم حينئذ يطلبون ناصرا فلا ينصرون، ويقسم على من وقع كتابه بيده أن يقرأه على أهله وجيرانه، ويجعلهم على علم من مضمونه.
وتفاوض المسلمون بينهم أنّ قصده سياقتهم إلى ما دعا إليه الدرزي، وأنّ حنقه عليهم إنّما هو لنفورهم منه. وأكثروا الكلام في ذلك، وعملوا أشعارا يكفّرونه فيها، يشيرون بها إليه، وترنّموا بأغاني تتضمّن شتيمة له وألفاظا قبيحة يشيرون بها إليه، وجميعها تتّصل به في وقتها، فازداد غضبا عليهم.
وتقدّم في ذي القعدة سنة عشر وأربعمائة بأن يفرّق على العبيد السودان من العسكرية سلاح، وأوعز إليهم بالنزول إلى مصر، وأن يتعمّدوا حرقها وسبي حريم أهلها وأولادهم، ونهب أموالهم، فبدءوا في طرح النار في طرف مصر في الموضع المعروف بالتّبّانين، وتركوا أيديهم في النهب، وامتدّوا فيه إلى أن أتوا على ما في القياسر التي يباع فيها البزّ، وعلى كثير من الحوانيت والمساكن، وأسروا خلقا من النسوان وافترسوهنّ، وتهارب جماعة منهم إلى الجامع تحرّما به فلم يحمهم، ونهبوا مواضع كثيرة من مصر، وأحرقت النار شطرا كبيرا من البلد، ولم يتجاسر المصريّون على إطفائها خوفا من أن يجري عليهم ما هو أعظم وأشدّ. وانتهى إلى الحاكم عظم الحادثة بمصر من الحريق والنهب والأسر، فإنّه لم يؤمن تفاقمه وخروجه إلى ما يصعب تلافيه واستدراكه، فتقدّم إلى غادي الخادم الصقلبي بالنزول إلى مصر في جماعة من الجند ليسكّن الفتنة، فنزل وشاهد أمرا فظيعا وحالة قبيحة، فقتل بعضا من العبيد ومن أهل الشرّ لتوقع الهيبة فيهم، وفرّق جمعهم، وعاد إلى الحاكم وهو حنق ممّا شاهد، وشرح له قبح النازلة وعظم الحادثة، وقال له في جملة كلامه: لو أنّ باسيل ملك الروم دخل إلى مصر لما استجاز أن يفعل بها مثل هذا، فنقم عليه الحاكم وقتله، فاستغاث المصريّون إليه في العفو عنهم والتقدّم بإطفاء النار لئلا تهلكهم، فأذن بذلك بعد أن تلف من العقارات والرحالات ما يعظم قدره.