الدُّخْن، فَلِفْرط يُبْسِه فرغ رأسُه واختلط في عقله. ولم أرَ أكثر مجاهدةً منه.
قَالَ شِيرَوَيْه: كَانَ طاهر يذهب مذهب أهل الملامة.
وقال مكّيّ: سَمِعْتُ أبا سعد بْن زِيرَك يَقُولُ: حضرتُ مجلسا ذُكِر فيه طاهر الجصَّاص، فبعضهم نسبه إلى الزَّنْدَقَة، وبعضهم نسبه إلى المعرفة. فلمّا كُثرتِ الأقاويل فيه قلت: إنّ عيسى عَليْهِ السّلام كَانَ نبيا وافِتتانُ النّاس بِهِ أكثر، وافِتتانُهُم بعيسى ضَرَّهم وما ضَرّه. وكذلك افتتان النّاس بطاهر يضرُّهم ولا يضرُّه.
قَالَ مكّيّ: حَضَرتْ امرأةٌ عنده فقالت: ألحَّ عَليْهِ بعض أصحابنا في إظهار العِلّة الّتي ترك بسببها اللّحْم والخُبز، فقال: إذا أكلتهما طالبتني نفسي بقُبلة أمردٍ مليح.
وسمعت منصور الخيّاط الصُّوفيّ يَقُولُ: دخلت عَلَى طاهر الجصَّاص، فنظرت إِليْهِ وإلى اجتماع القمل في ثوبه، فسألته أن يعطيني فَرْوته لأغسلها وأفلّيها.
قَالَ: عَلَى أن لا تقتل القمل.
قلت: نعم.
ثمّ حملتها إلى النَّهر، فلو كَانَ معي قفيز كنت أملأه قملًا، فَكَنَسْتُهُ بالمِكْنَسة ونَقَّيْتُهُ، فلمّا رَدَدْتُها عَليْهِ قَالَ: الحالتان عندي سواء، فإن القمل لا يؤذيني.
وقال شِيرَوَيْه: سَمِعْتُ يوسف الخطيب يَقُولُ: دخلت عَلَى طاهر الجصَّاص ووضعت بين يديه تينا، فناولته تِينةً وقلت: أيُّها الشّيخ اقطع هذه التّينة بأسنانك، ولم يبق في فمه سِنّ، فجعل يمصُّها ويَلُوكُها حتّى لانت وأمكنه قَطْعُها، فأكل نصفها، ووضع نصفها في فمي. فكأنّي وجدت في نفسي مِن ريقه ولُعابه. فبتُ تِلْكَ اللّيلة، فرأيت كأنّ آتٍ أتاني، فأخرج قلبي مِن جوفي مِن غير ألمٍ ولا وجع. فلمّا شاهدتُ قلبي كأنّ قِنْديلٍ، فيه سبعةَ عشر سِراجًا، فقال لي: هذا مِن ذاك اللُّعاب.
سَمِعْتُ عَبْد الواحد بْن إسماعيل البُرُوجَرْدِيّ يَقُولُ: اشترينا شِوَاء وحلْواء