للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما نزل سعد بْن أبي وقاص بُهرَسِير- وهي المدينة التي فيها منزل كِسْرَى- طلب السُّفُنَ ليعبر بالنّاس إلى المدينة الْقُصْوَى، فلم يقدر على شيءٍ منها، وجدهم قد ضمُّوا السفن، فبقي أيّامًا حتى أتاه أعلاجٌ فدُّلوه على مخاضة [١] ، فأبى، ثُمَّ إنه عزم له أن يقتحم دِجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزَّبَد [٢] ، ففجِئ [٣] أهل فارس أمرٌ لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعةً ثمّ انهزموا وتركوا جُمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كلّه، ثُمَّ أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصّنوا ثُمَّ صالحوا.

وقيل إنّ الفرس لمّا رأوا اقتحام المُسْلِمين الماء تحيَّروا وقالوا: واللِه مَا نقاتل الإنس ولا نقاتل إلّا الجن، فانهزموا [٤] .

ونزل سعد القصر الأبيض، واتّخذ الإيوان مُصَلَّى، وإنّ فيه لتماثيل جَصٍّ فما حرَّكها [٥] .

ولما انتهى إلى مكان كِسْرى أخذ يقرأ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ ٤٤: ٢٥- ٢٦ [٦] الآية.


[ () ] فكان كل واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلها وسمّاها باسم، فأوّلها المدينة العتيقة التي لزاب، ثم مدينة الإسكندر، ثم طيسفون من مدائنها، ثم اسفانير، ثم مدينة يقال لها رومية، فسمّيت المدائن بذلك.. قال حمزة: اسم المدائن بالفارسيّة توسفون وعرّبوه على الطيسفون والطيسفونج وإنّما سمّتها العرب المدائن لأنّها سبع مدائن بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة. (معجم البلدان ٥/ ٧٤، ٧٥) .
[١] في النسخة (ح) «مخاصمة» وهو تحريف.
[٢] العبارة في تاريخ الطبري ٤/ ١٠ «وتلاحق عظم الجند، فركبوا اللّجّة، وإنّ دجلة لترمي بالزّبد، وإنّها لمسودّة، وإنّ الناس ليتحدّثون في عومهم وقد اقتربوا ما يكترثون» .
[٣] في تاريخ الطبري «ففجئوا» .
[٤] تاريخ الطبري ٤/ ١٤.
[٥] تاريخ الطبري ٤/ ١٤، ١٥.
[٦] سورة الدخان، الآية ٢٥.