للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاشتريته فإذا هو كتابٌ لأبي نصر الفارابيّ في أغراض كتاب ما بعد الحكمة الطّبيعيّة [١] . ورجعتُ إلى بيتي وأسرعتُ قراءته، فانفتح عليَّ في الوقت أغراض ذلك الكتاب [٢] . ففرحتُ وتصدَّقتُ بشيءٍ كثير شكرًا للَّه تَعَالَى [٣] .

واتْفق لسّلطان بُخَارى نوح بن منصور مرضٌ صعبٌ، فأجرى الأطبّاء ذِكْري بين يديه، فأُحْضِرتُ وشاركتهم في مداواته، وسألته الإذْنَ في دخول خزانة كُتُبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من الكُتُب وكَتْبها. فأذن لي فدخلتُ، فإذا كُتُبٌ لا تُحصى في كلّ فنٍّ. ورأيتُ كُتُبًا لم تقع أسماؤُها إلى كثير من النّاس، فقرأت تلك الكُتُب وظفرت بفوائدها، وعرفتُ مرتبة كلّ رجلٍ في علمه [٤] . فلمّا بلغتُ ثمانيةَ عشرَ عامًا من العُمر فرغت من هذه العلوم كلّها. وكنتُ إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنّه معي اليوم أنضج، وإلّا فالعلم واحد لم يتجدّد لي بعدَه شيء [٥] .

وسألني جارنا أبو الحسين [٦] العروضيّ أن أصنّف له كتابا جامعا في هذا العلم، فصنّفتُ له «المجموع» وسمّيتُه به، وأتيتُ فيه على سائر العلوم سوى الرّياضيّ، ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة.

وسألني جارنا الفقيه أبو بكر البَرَقيّ [٧] الخوارزميّ [٨] ، وكان مائلًا إلى الفقه والتّفسير والزّهد، فسألني شرح الكُتُب له، فصنّفت له كتاب «الحاصل والمحصول» في عشرين مجلّدة أو نحوها. وصنّفت له كتاب «البِرّ والإثّم» ، وهذان الكتابان لا يوجدان إلّا عنده، ولم يعرهما أحدا.


[١] في: تاريخ مختصر الدول، وعيون الأنباء، والوافي بالوفيات: «ما بعد الطبيعة» .
[٢] زاد ابن العبري: «بسبب أنه قد صار لي على ظهر القلب» . (تاريخ مختصر الدول ١٨٨) .
[٣] تاريخ مختصر الدولة ١٨٧، ١٨٨.
[٤] وفيات الأعيان ٢/ ١٥٨.
[٥] تاريخ مختصر الدول ١٨٨.
[٦] هكذا في الأصل (وعيون الأنباء) . وفي: الوافي بالوفيات ١٢/ ٣٩٤: «أبو الحسن» .
[٧] البرقيّ: بفتح الباء والراء، والقاف بعدهما، هذه النسبة إلى برق وهو بيت كبير من خوارزم انتقلوا إلى بخارى وسكنوها. وهذه النسبة إلى برق يعني بالفارسية: بره ولد الشاة، لأنه كان في آبائه من يبيع الحملان، فعرّب بالفارسيّ. (الإكمال لابن ماكولا ١/ ٤٨٣، الأنساب ٢/ ١٦١) .
[٨] ترجم له ابن ماكولا في (الإكمال ١/ ٤٨٣) ، وابن السمعاني في (الأنساب ٢/ ١٦١، ١٦٢) ، وقال ابن ماكولا: ورأيت ديوان شعره وأكثره. بخط تلميذه ابن سينا الفيلسوف.