للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقام إليه القاضي وقبّل يديه هو وأولاده وسلّموا عليه بالخلافة. وأخرجه يوم الجمعة بإشبيليّة، ومَشَوا بين يديه إلى الجامع، فخطب هشام للنّاس وصلّى بهم، وبايعوه: القاضي، وبنوه، والنّاس. وتولى القاضي الخدمة بين يديه.

وبقي أمير المؤمنين، والقاضي يقول: أمر أمير المؤمنين. وجرى على طريقة الحاجب ابن أبي عامر غير أنّه لم يخرج إلى الجمع طول مدّته. والقاضي ابن عَبّاد في رُتْبَة وزير له [١] .

واستقام لابن عبّاد أكثر مدن الأندلس.

قال عزيز: خرج هشام هاربًا بنفسه من قُرْطُبة عام أربعمائة مستخفيا حتّى قدِم مكّة، ومعه كيس فيه جواهر، فشعر به حراميّة مكّة، فأخذوه منه، فبقي يومين لم يُطْعَم. فأتاه رجلٌ عند المَرْوَة، فقال: تحسِن عملَ الطِّين؟ قال: نعم.

فمضى وأعطاه ترابًا ليجبُلَه، فلم يدرِ كيف يصنع. وشارطه على درهم وقرص، وفقال له: عجِّل القُرص. فأتاه به فأكله. ثمّ عَمَدَ إلى التّراب فجَبَلَه.

ثمّ خرج مع قافلة إلى الشّام على أسوأ حال، فقدِم بيت المقدس فرأى رجلًا حُصْريًّا فوقف ينظر، فقال له الرّجل: أَتُحْسِنُ هذه الصّناعة؟ قال: لا.

قال: فتكون عندي تناولني القَشّ.

فأقام عنده مدّة، وتعلّم صنعة الحُصْر، وبقي يتقوّت منها وأقام ببيت المقدس أعوامًا، ثمّ رجع إلى الأندلس سنة أربع وعشرين وأربعمائة.

قال عزيز: هذا نصُّ ما رواه مشايخ من أهل الأندلس. ثمّ ذكر ما قاله أبو محمد بن حزْم في كتاب «نقط العَرُوس» ، قال: فضيحة لم يقع في الدّهر مثلها.

أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيّام تَسَمّى كلُّ واحدٍ منهم أمير المؤمنين، وخُطِب لهم بها في زمن واحد. أحدُهم: خَلَف الحُصْريّ بإشبيليّة على أنّه هشام المؤيّد، والثّاني: محمد بن القاسم بن حَمُّود بالجزيرة الخضراء، والثّالث:

محمد بن إدريس بن عليّ بن حَمْود بمالقة، والرّابع: إدريس بن يحيى بن عليّ بشَنْتَرِين.

ثمّ قال أبو محمد بن حزْم: أُخْلُوقة لم يُسمع بمثلها. ظهر رجلٌ يقال له


[١] وفيات الأعيان ٥/ ٢٢.