للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجُعِل في الحُجَرَة [١] ، فقَهر مَن بها من المماليك، وطال عليهم بالذّكاء والنَّهضة، فقرّبه متولّيهم. ثم لزِم الخدمة وجعل يتودَّد إلى القوَّاد، فارتضاه الحاكم وأُعْجِب به، وأمّره وبعثه إلى دمشق في سنة ستّ وأربعمائة فتلقّاه مولاه دِزْبَر، فتأدَّب مع مولاه وترجَّل له. ثمّ أُعيد إلى مصر وجُرِّد إلى الرّيف. ثمّ عاد وولي بَعْلَبَك، وحَسُنَت سِيَرُتُه، وانتشر ذِكْرُه [٢] .

ثمّ طُلِب، فلمّا بلغ العَرِيش رُدّ إلى ولاية قيْسارية. واتّفق قتْلُ فاتِك متولّي حلب سنة اثنتي عشرة، قتله مملوك له هنديّ [٣] ، وولي أمير الجيوش فلسطين في أوّل سنة أربع عشرة [٤] . فبلغ حسّان مُفَرّج ملك العرب خبره، فقلِق وخاف [٥] .

ولم يزل أمر أمير الجيوش فِي ارتفاع واشتهار، وتمّت له وقائع مع العرب فدوّخهم وأثخن فيهم، فعمل عليه حسّان، وكاتب فيه وزير مصر حسن بن صالح، فقبض عليه بعسقلان بحيلة دُبّرت له في سنة سبع عشرة [٦] . وسألَ فيه سعيد السُّعَداء فأجيب سؤاله إكرامًا له وأُطْلِق. ثمّ حَسُنَت حاله، وارتفع شأنه.

وكثُرت غلمانه وخَيْله وإقطاعاته [٧] .

وبَعد غيبته عن الشّام أفسدت العرب فيها، ثمّ صُرِف الوزير ووزر نجيب الدّولة عليّ بن أحمد الْجَرْجَرائيّ، فاقتضى رأيُه تجريدَ عساكر مصر إلى الشّام، فقدّم نوشتكين عليهم، ولقّبه بالأمير المظفّر منتخب الدّولة [٨] ، وجهّز معه سبعة آلاف فارس وراجل. فسار وقصد صالح بن مرداس وحسّان بن مفرّج، فكان


[١] الحجرة: المماليك الحجريّة، ويقال لهم: صبيان الحجر. قال ابن خلّكان: ومعناه عندهم، أن يكون لكل واحد منهم فرس وسلاح، فإذا قيل له عن شغل، ما يحتاج أن يتوقّف فيه، وذلك على مثال الداوية والإسبتار (وهما منظمتان للفرنج الصليبيين) ، فإذا تميّز صبيّ من هؤلاء بعقل وشجاعة، قدّم للإمرة. (وفيات الأعيان ٣/ ٤١٨) .
[٢] ذيل تاريخ دمشق ٧١.
[٣] ذيل تاريخ دمشق ٧٢.
[٤] ذيل تاريخ دمشق ٧٢.
[٥] ذيل تاريخ دمشق ٧٢.
[٦] ذيل تاريخ دمشق ٧٣، وانظر: تاريخ الأنطاكي ٣٩١، ٣٩٢ و ٣٩٥.
[٧] ذيل تاريخ دمشق ٧٣.
[٨] في: ذيل تاريخ دمشق ٧٣: «منتخب الدولة» بالجيم، والمثبت يتفق مع: تاريخ الأنطاكي (بتحقيقنا) ٣٩١.