للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نشأ بقُرْطُبة وكانت له همّة وجلادة وجُرأة. فلمّا جاءت أيّام الفتنة وتغلّبت العساكر على النّواحي بذهاب دولة مولاه، توثّب هو على شرق الأندلس، وغلب على تلك الجزائر وحماها. ثمّ قصد منها في المراكب والعساكر إلى سردانية، جزيرة كبيرة للرّوم، سنة سبع وأربعمائة، فافتتح معاقلها وغلب على أكثرها.

ثمّ اختلفت عليه أهواء جُنْده، وجاءت نجدة الرّوم وقد عزم على الخروج من سردانية طمعًا في أن يفرّق مَن يَشغب عليه. فدهمته الملاعين في جَحْفَلتهم، وغلبوا على أكثر مراكبه. فحدَّثنا ابن حزْم قال: حدَّثني ثابت بن محمد الْجُرْجَانيّ قال: كنتُ مع أبي الجيش أيّام غزو سردانية، فدخل بالمراكب في مَرْسى نهاه عنه أبو خَرُّوب رئيس البحريّين، فلم يقبل منه، فلمّا حصل في ذلك المرسي هبّت ريحٌ جعلت تقذِف مراكبَ المسلمين مركبًا مركبًا إلى الرّيف، والرّومُ لا شُغْل لهم إلّا الأسر والقتْل. فكلّما ملكوا مركبًا بكى مجاهد بأعلى [١] صوته ولا يقدر على شيء لارتجاج البحر، وأبو خَرُّوب ينشد:

بكى دَوْبَلٌ لا أرْقَأَ الله دمعَه [٢] ... ألا إنّما يبكي من الذّلّ دوبل

ويقول: قد كنت حذّرته من الدخول هنا فأبى.

ثمّ تخلّصنا في يسير من المراكب.

قال الحُمَيْديّ [٣] : ثمّ عاد مجاهد إلى الأندلس، فاختلفت به الأحوال حتّى تملّك دانية وما يليها واستقرَّ بها.

وكان من الأجواد العلماء، باذلًا للمال في استمالة الأُدباء، فبذل لأبي غالب تمّام بن غالب اللّغَويّ ألف دينار على أن يزيد في ترجمة الكتاب الّذي ألّفه في اللّغة ما ألّفه لأبي الجيش مجاهد، فامتنع أبو غالب وقال: ما ألّفته له.

وفيه يقول صاعد بن الحسن اللُّغَويّ، وقد استماله على البُعْد، بمال، قصيدته:

أتتني الخريطة والمراكب ... كما اقترن السّعد والكوكب


[١] في الأصل: «بأعلى» .
[٢] في (جذوة المقتبس ٣٥٣) : «عينه» .
[٣] في (الجذوة) ٣٥٣.