وابتدأ بالقراءات بمصر، ثمّ عاد، ثمّ رجع إلى مصر سنة اثنتين وثمانين، وعاد إلى بلاده سنة ثلاثٍ، فأقرأ القراءات.
ثمّ خرج سنة سبْعٍ وثمانين فحجّ وجاورَ بمكّة، فحجَّ أربع حججٍ متوالية، ودخل إلى الأندلس في سنة ثلاثٍ وتسعين.
وجلس للإقراء بجامع قُرْطُبة وعظُم اسمه وجلَّ قدْرُه [١] .
قال ابن بشْكُوال: ثمّ قلّده أبو الحزْم جَهْوَر خَطَابة قُرْطُبة بعد وفاة يونس ابن عبد الله القاضي.
وكان قبل ذلك ينوب عن يونس في الخطبة. وكان ضعيفًا عليها على أدبه وفهْمه.
وله ثمانون تأليفًا.
وكان خيِّرًا، فاضلًا، متديِّنًا، متواضعًا، مشهورًا بالصّلاح وإجابة الدّعوة.
حكى أبو عبد الله الطّرفيّ قال: كان عندنا رجلٌ فيه حِدَّة، وكان له على الشّيخ أبي محمد مكّيّ تسلُّط. كان يدنو منه إذا خطب فيغمزه ويُحْصِي عليه سَقَطاته. وكان الشّيخ كثيرًا ما يتلعثم ويتوقَّف، فجاء ذلك الرّجل في بعض الْجُمَع وجعل يحدّ النَّظر إلى الشّيخ ويغمزه، فلمّا خرج ونزل معنا في موضعه، قال: أمِّنوا على دعائي.
قال: فأُقْعِد ذلك الرّجل وما دخل الجامع بعد ذلك اليوم.
وقال ابن حَيّان: تُوُفّي ثاني المحرَّم، وصلّى عليه ابنه أبو طالب محمد.
[١] قال القاضي عيّاض: ودخل قرطبة أيّام المظفر ابن أبي عامر سنة ثلاث وتسعين ولا يؤبه به إلى أن تنبّه لمكانه ابن ذكوان القاضي، فأجلسه في المسجد الجامع، فنشر علمه وعلا ذكره، ورحل إليه الناس، ثم ولي الخطبة والصلاة مدّة، إلى أن أقعده عنها الخوف. وكان مع رسوخه في علم القرآن وتفنّنه فيه، قراءات وتفاسير ومعاني، نحويا لغويا فقيها راويه. ولي الشورى وصنّف تصانيف جليلة في علوم القرآن وغير ذلك. ومن أشرف تصانيفه كتاب «الهداية» في التفسير، وكتاب «الكشف» في وجوه القراءات، «واختصار الحجّة» للفارسي، وكتاب «إعراب القرآن» ، وكتاب «الإيضاح» في ناسخه ومنسوخه، وهو كتاب حسن، وكل تواليفه حسنة، وكتاب «المأثور عن مالك في الأحكام» ، و «التفسير» ، و «التبصرة» ، و «الموجز» ، و «اختصار أحكام القرآن» ، و «الإيجاز واللمع في الإعراب» ، و «انتخاب نظر القرآن» للجرجاني، و «الواعي» في الفرائض، وغير ذلك. (ترتيب المدارك ٤/ ٤٣٨) .