للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اجتمع له مع الذّكاء، وسُرْعة الحِفْظ، وكَرَم النَّفس والتَّديُّن. وكان لهُ في الآداب والشِّعر نَفَس واسِع، وباعٌ طويل. وما رأيت من يقول الشِّعر على البديه أسرع منه. وشِعره كثير جمعته على حروف المُعْجَم.

وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر، مدبِّر دولة المؤيّد باللَّه بن المُستنصِر، ثم وزر للمُظفّر بن المنصور.

ووزر أبو محمد للمستظهر باللَّه عبد الرّحمن بن هشام، ثمّ نبذ هذه الطّريقة، وأقبل على العلوم الشَّرعيّة، وعُنِيَ بعلم المنطق، وبرع فيه، ثمّ أعرض عنه وأقبل على علوم الْإِسلام حتّى نال من ذلك ما لم ينله أحد بالَأندلس قبله [١] .

وقد حط أبو بكر بن العربيّ في كتاب «القواصم والعواصم» [٢] على الظّاهريّة فقال [٣] : هي أُمَّة سخيفة، تسوَّرَت على مرتبةٍ ليست لها، وتكلَّمَت بكلامٍ لم تفهمه تلقَّفوه من أخوانهم الخوارج حين حكّم عليٌّ يوم صفّين فقال:

لَا حُكم إِلَّا للَّه. وكانت أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن، فلمّا عُدت وَجَدتُ القَوُل بالظاهر قد ملَأ به المغرب سخيفٌ كان من بادية أشبيليّة يُعِرَف بابن حزم، نشأ وتعلَّق بمذهب الشّافعيّ، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكُل، واستقلّ بنفسه وزعم أنّه إمام الأمّة، يضع ويرفع، ويحكُم ويُشَرِّع [٤] ، ينسب إلى دين اللَّه ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرًا للقلوب عنهم. وخرج عن طريق المُشَبّهة في ذات اللَّه وصفاته، فجاء فيه بِطَوَامٍ، واتَّفق كونه بين قومٍ لَا بصر لهم إِلَّا بالمسائل، فإذا طالبهم بالدّليل كاعوا [٥] ، فتضاحك [٦] مع أصحابه منهم. وعضَّدتهُ الرِّئاسة بما كان عنده من أدب، وبِشُبَهٍ كان يوردها على الملوك،


[١] معجم الأدباء ١٢/ ٢٣٧، ٢٣٨.
[٢] هكذا هنا وسير أعلام النبلاء ١٨/ ١٨٨، واسمه «العواصم من القواصم» ، وهو مطبوع بتحقيق العلّامة محبّ الدين الخطيب.
[٣] في الهامش: «ث. من أراد أن يعرف مرتبة ابن العربيّ في إطلاق لسانه في العلماء الكبار كأبي حنيفة والشافعيّ فلينظر في كتاب «القبس» في حديث «لعن الله اليهود حرّمت عليهم شحوم ... » الحديث، وفي غيره يجد ما قاله في الظاهرية دون ما قاله فيهما» .
[٤] في الهامش: «ث. انظر هذا التناقض. قدّم أنهم يقولون لا حكم إلا للَّه، ثم زعم أنه يحكم ويشرع» .
[٥] كاعوا: جبنوا.
[٦] في سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٨٩ «فيتضاحك» .