ثم حمل هؤلاء عليهم فهزموهم إلى رأس المربَّعة، وهمُّوا بأسر الأمير، وسبّوه وردّوه مجروحًا أكثر رجاله، مقتولًا منهم طائفة، مسلوبًا سلاح أكثرهم. ثمّ توسَّط السَّادة العلويّة، ودخلوا على أبي سهل في تسكين الفتنة، وأخرجوا الْإِثنين من الحبس إلى داره، وباتوا على ظَفَر. وأحبَّ الشّافعيَّة أبا سهل.
ثمَّ تشاور الأصحاب بينهم، وعلموا أن مخالفة السُّلطان قد يكون لها تَبِعَة، وأنّ الخصوم لَا ينامون، فاتّفقوا على مهاجمة البلد إلى ناحية أَسْتُوا، ثُمَّ يذهبون إلى الملك. وبقي بعض الأصحاب بالنَّواحي مُتَفَرِّقين. وحُبِس أبو سهل في قلعة طورك أشْهُرًا. ثمّ صودِرً وأُبِيعتْ ضِيَاعُهُ، ثم عُفي عنه، وأُحيل ببعض ما أُخِذ منه، وَوُجِّه إليها، فخرج إلى فارس، وحصَّل شيئًا من ذلك. وقصد بيت اللَّه فحجَّ ورجع، وحسُن حاله عند السُّلطان، وأُذِن له في الرُّجوع إلى خُراسان، وأتى على ذلك سنون إلى أن تبدَّل الأمر، ومات السُّلطان طُغُرْلبَك، وتسلطن أبو شجاع ألْبُ أرسلان، فحظي عنده، ووقع منه موقعًا أرفع مِمَّا وقع أبوه من طُغْرُلْبَك. ولاح عليه أنَّهُ يستوزِره، فقُصِدَ سرًا، واحتيل في إهلاكه، ومضى إلى رحمة اللَّه في هذا العام، وحُمِلَ تابوته إلى نَيْسَابور، وأظهر أهلها عليه من الْجَزَع ما لم يُعهَد مثله، وبقيت النّوائح عليه مُدَّة بعده.
وكانت مراثيه تُنْشَد في الأسواق والَأزِقّة، وبقيت مُصيبته جُرحًا لَا يندمِل، وأفضت نوبة القبول بين الأعوام إلى نجله ولم يبق سواه أحد من نسله.
وكان إذا حضر السّلطان البلد يقدِّم له أبو سهل وللَأمراء من الحلواء والَأطعمة المُفتخرة أشياء كثيرة بحيث يتعجَّب السُّلطان والَأعوان.
ولقد دخل إليه يوم تلك الفِتنة زوج أخته الشَّريف أبو محمد الحسن بن زيد شفيعًا في تسكين النَّائِرة، فنثر على أقدامه ألف دينار، واعتذر بأنّه فاجأه بالدُّخول.
اختصرتُ هذا من «السّياق» لعبد الغافر [١] .
وذكر غيره أنَّ ألْبَ أرسلان بعثه رسولًا إلى بغداد، فمات في الطّريق.
[١] انظر هذه الأخبار في طبقات الشافعية الكبرى للسبكى ٣/ ٣٨٩- ٣٩٣ و ٤/ ٢٠٩، ٢١٠.