للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ جاء من الغد فقال: دعني من الصحراء، فَإِن أهلها جاهلية، وقد ألفوا ما نشئوا عليه.

وكان من طلبة الفقيه رَجُلٌ اسمه عَبْد اللَّه بْن ياسين الجزولي [١] ، فقال: أيها الشَّيْخ، أرسلني معه، والله المعين.

فأرسله معه، وكان عالمًا قوي النفس، ذا رأيٍ وتدبير، فأتيا قبيلةَ لمتُونة، وهي على ربوةٍ من الأرض، فنزل الجوهر، وأخذ بزمام الجمل الَّذِي عليه عَبْد اللَّه بْن ياسين تعظيمًا له، فأقبلت المشيخة يهنون الجوهر بالسلامة وقالوا:

من هَذَا؟ قال: هَذَا حامل سُنّة الرَّسُول عليه السلام.

فرحبوا به وأنزلوه، ثُمَّ اجتمعوا له، وفيهم أَبُو بَكْر بْن عُمَر، فقصَّ عليهم عَبْد اللَّه عقائد الْإِسْلَام وقواعده، وأوضح لهم حَتَّى فهم ذلك أكثرهم، فقالوا: أما الصلاة والزكاة فقريب، وأما قولك من قتل يقتل، ومن سرق يقطع، ومن زنا يجلد، فلا نلتزمه، فاذهب إِلَى غيرنا.

فرحل، وأخذ بزمامه الجوهر، [٢] وَفِي تلك الصحراء قبائل منهم وهم ينتسبون إِلَى حمير، ويذكرون أن أسلافهم خرجوا من اليمن فِي الجيش الَّذِي جهزه الصديق إِلَى الشام، ثُمَّ انتقلوا إِلَى مصر، ثُمَّ توجّهوا إلى المغرب مع موسى بن نضير، ثُمَّ توجهوا مع طارق إِلَى طنجة، فأحبوا الانفراد فدخلوا الصحراء [٣] ، وهم لمتونة، وجدالة، ولمطة، وإيتنصر، وإينواي، وسوفة، وأفخاذ عدّة، فانتهي الجوهر وعبد اللَّه إِلَى جدالة، قبيلة الجوهر، فتكلَّم عليهم عبدُ اللَّه، فمنهم من أطاع، ومنهم من عصى، فقال عَبْد اللَّه للذين أطاعوا: قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الذين أنكروا دين الإسلام، وقد استعدّوا لقتالكم وتحزّبوا عليكم، فأقيموا لكم رايةً وأميرًا.

فقال له الجوهر: أنت الأمير.


[١] في (الكامل ٩/ ٦١٩) : «الكزولي» .
[٢] الكامل في التاريخ ٩/ ٦١٨، ٦١٩.
[٣] الكامل ٩/ ٦١٨.