للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نائمًا متوسدًا رداءه، فَقَالَ الهرْمُزان: هذا ملِكُكُم؟ قالوا: نعم، قَالَ: أما له حاجب ولا حارس؟! قالوا: الله حارسه حتّى يأتيه أجلُه، قَالَ: هذا الملك الهَنّي.

فَقَالَ عُمَر: الحمد للَّه الَّذِي أذلّ هذا وشيعته بالإسلام، ثُمَّ قال للوفد:

تكلّموا، فقال أَنْس بْن مالك: الحمد للَّه الَّذِي أنجز وعده وأعزّ دينه وخذل من حادَّه، وأورثَنَا أرضَهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم، فبكى عُمَر ثُمَّ قَالَ للهرمُزَان: كيف رأيت صنيع الله بكم؟ فلم يُجْبه، قَالَ: مالك لَا تتكلم؟ قَالَ: أَكَلامُ حيٍّ أم كلام ميتٍ؟ قَالَ: أوَلَسْت حيًّا! فاستسقى الهُرْمُزان، فَقَالَ عُمَر: لَا يُجْمَع عليك القتْلُ وَالْعَطَشُ، فأتوه بماءٍ فأمسكه، فَقَالَ عُمَر: اشربْ لَا بأس عليك، فرمى بالإناء وَقَالَ: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دينٍ نستعبدكم [١] ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالًا، فلمّا كان الله معكم لم يكن لأحدٍ باللَّه طاقة، فأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمِّنّي! قَالَ: وكيف؟ قَالَ: قلت لي: تكلّم لَا بأس عليك، وقلت: وقلت:

اشرب لَا أقتلك حتى تشربه، فَقَالَ الزُّبَيْر وأنس: صدق، فَقَالَ عُمَر: قاتله الله أخذ أمانًا وأنا لَا أشعر، فنزع مَا كان عليه، فَقَالَ عُمَر لسُراقة بْن مالك بْن جَعْشم وكان أسود نحيفًا: البس سِوَارَيِ الهُرْمزان، فلبسهما ولبس كِسْوَتَه.

فَقَالَ عُمَر: الحمد للَّه الَّذِي سلب كِسْرَى وقومَهُ حُلِيَّهم وكِسْوَتهم وألبسها سُراقة، ثمّ دعا الهُرْمزان إلى الإسلام فأبى، فَقَالَ عليّ بْن أبي طالب: يا أمير المؤمنين فرِّق بين هؤلاء، فحمل عُمَر الهُرْمُزانَ وجُفَيْنَةَ وغيرهما في البحر وَقَالَ: اللَّهمّ اكسرْ بهم، وأراد أن يسير بهم إلى الشام فكُسِرَ بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عُمَر ألفين ألفين، وسمّى الهرمزان عرفطة. [٢] .


[١] في الأصل وغيره من النّسخ (نتعبّدكم) ، وفي الإصابة: (نستعبدكم) .
[٢] انظر: تاريخ الطبري ٤/ ٨٧، ٨٨، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ٢/ ١٣٥، ١٣٦.