[٢] وعبارة عبد الغافر في (المنتخب) : الأديب، الصوفي، فاضل، نسيب، مشهور، ثقة، سمّعه أبوه الحسن بن خلف من مشايخ عصره قديما، وطاف به عليهم حتى أدرك الأسانيد العالية. فسمع من الحاكم أبي عبد الله الحافظ، والزيادي، وعبد الله بن يوسف بن فورك، والقاضي أبي زيد، والجولكي، والسهمي، والفاضي أبي بكر الجرجاني، وأبي يعلى المهلّبيّ، ثم أصحاب الأصمّ كالحيري، والصيرفي، وأبي زكريا المزكي، والطبقة. وقد سمع من القاضي أبي الهيثم، وأبي سعد الواعظ الخركوشي، وعبد الخلّاق المؤذّن، والسيد ظفر، وأبي محمد بن المؤمّل، وغيرهم من كبار المشايخ. ثم حصل على حظ وافر من العربية، وتخرّج فيها، وحفظ حكايات المحاورة والأشعار المليحة. وعاش عيشا طويلا في كمال العفّة والورع والقوت الحلال، وقصر اليد عن الشبهة. وأخذ الطريقة عن زين الإسلام أبي القاسم، وتحقّق في الإرادة، وعرف مجاري أهل التصوّف ومقاماتهم وأحوالهم، واتفق له الرواية الكثيرة. وعقد مجلس الإملاء في المدرسة النظامية يوم الجمعة بعد الصلاة، وأملى سنين. ولم أر في المشايخ الذين سمعنا منهم أكثر إتقانا ولا أضبط في الرواية منه. فقد قرأت عليه أكثر من خمس عشرة سنة تفاريق المسموعات والكتب والإملاء، وكان راغبا في قراءتي لا يسامح في أن يفوته مما يقرأ عليه كلمة لم يسمعها ولم يفهمها على مبلغ الإمكان، ويراجع في المشكلات ويبالغ في الوقوف على المعاني ما يسعه. ورأيت منه عجائب في خدمة زين الإسلام والتقرّب إليه ومباسطة مجلسه بما يستحسنه من الطرف والفواكه حاملا منه مقدار ما يمكنه حمله بنفسه لشدّة مداخلته وصدق إرادته، ثم نظر الإمام عليه بعين الاحترام وقبول ما يأتي به مقابلا بالإكرام على ذلك. زجّى عمره، واستتمّ أمره، وانفرد بالرواية في آخر عمره عن أكثر مشايخه من غير مشاركة للبركة في عمره وروايته حتى ختم بموته حديث الحاكم أبي عبد الله، والمهلّبيّ، وابن فورك. وكان محدّث وقته، انتخب عليه الحفاظ، وخرّجت له الفوائد. [٣] سير أعلام النبلاء ٨/ ٤٧٩.