[٢] قال الحميري: إن الأدفونش نزل قبالة قصر ابن عبّاد، وفي أيام مقامه هناك كتب إلى ابن عبّاد زاريا عليه: كثر بطول مقامي في مجلسي الذبّان، واشتدّ عليّ الحرّ، فأتحفني من قصرك بمروحة أروّح بها عن نفسي وأطرد بها الذباب عني، فوقّع له ابن عبّاد بخط يده في ظهر الرقعة: قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية تريح منك لا تروّح عليك إن شاء الله. فلما ترجم لابن فرذلند توقيع ابن عبّاد في الجواب أطرق إطراق من لم يخطر به ذلك، وفشا في بلاد الأندلس خبر توقيع ابن عبّاد وما أظهر من العزيمة على إجازة الصحراويين والاستظهار بهم على ابن فرذلند، فاستبشر الناس، وفتحت لهم أبواب الآمال. وانفرد ابن عبّاد بتدبير ما عزم عليه من مداخلة يوسف بن تاشفين، ورأت ملوك الطوائف بالأندلس ما عزم عليه من ذلك، فمنهم من كتب إليه ومنهم من شافهه، كلهم يحذّره سوء عاقبة ذلك، وقالوا له: الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد، فأجابهم ابن عبّاد بكلمته السائرة مثلا: رعي الجمال خير من رعي الخنازير، أي أن كونه مأكولا لابن تاشفين أسيرا يرعى جماله في الصحراء خير من كونه ممزّقا لابن فرذلند أسيرا يرعى خنازيره في قشتالة، وكان مشهورا بوثاقة الاعتقاد. وقال لعذّاله ولوّامه: يا قوم أنا من أمري على حالين: حالة يقين وحالة شك، ولا بدّ لي من إحداهما، أما حالة الشك فإنّي إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى ابن فرذلند ففي الممكن أن يفي لي ويفي عليّ ويمكن ألّا يفعل، فهذه حالة شك، وأما حالة اليقين فهي أني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله، وإن استندت إلى ابن فرذلند