للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْأَنْمَاطِيَّ يَقُولُ: كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّامِيُّ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، مَا كَانَ يَتَبَسَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَقْعُدُ مُعْبِسًا، فَلَمَّا مُنِعَتِ الشُّهُودُ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِهِ، وَقَعَدَ فِي بَيْتِهِ، نَفَّدَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ الْقَزْوِينِيُّ الْمُعْتَزَلِيُّ: [١] مَا عَزَلَكَ الْخَلِيفَةُ، إِنَّمَا عَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟.

قَالَ: لِأَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» [٢] . وَأَنْتَ طُولُ عُمْرِكَ غَضْبَانُ.

وقال محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ: كان حافظًا لتعليقة أبي الطّيّب، كأنّها بين عينيه، لم يقبل من سلطانٍ عطيّةً، ولا من صديقٍ هديّة. وكان يُعاب الحِدّة وسوء الخلق [٣] .


[ () ] أبو شجاع على ذلك، واغتنم أعداؤه الفرصة في ذلك، فصنّف أبو بكر الشاشي كتابا في الردّ عليه سمّاه «الردّ على من حكم بالفراسة وحقّقها بالضرب والعقوبة» ، وقال إن الّذي فعله له وجه ومستند من كلام الشافعيّ» . (المنتظم) .
[١] عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني الّذي تقدّمت ترجمته في وفيات هذه السنة، برقم (٢٧٢) .
[٢] أخرج الترمذي في الأحكام (١٣٤٩) باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان، من طريق عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن أبي بكرة وهو قاض، أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» . هذا حديث حسن صحيح. وأبو بكرة اسمه نفيع.
[٣] وقال أبو الوفاء بن عقيل: أخذ قوم يعيبون على الشامي ويقولون: كان يقضي بالفراسة ويواقعه، فضرب كرديّا حتى قرّ بمال أخذه غصبا، وكان ضربه بجريدة من نخلة داره، فقلت: أعرف دينه وأمانته، ما كان ذلك بالفراسة، لكن بأمارات، وإذا تأمّلتم الشرع وجدتم أنه يجوز التعويل على مثلها، فإنه إذا رأى صاحب كلالجات ورعونة يقال إنه رجم سطحا لأجل طائر، فكسر جرّة، وكان عنده خبر أنه يلعب بالطيور. فقال: بل هذا الشيخ رجم. وقد ذهب مالك إلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم على ما حكاه بعض الفقهاء، وذلك يستند إلى قوله إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ من قُبُلٍ ١٢: ٢٦ (سورة يوسف، الآية: ٢٦) ومن حكمنا بعقد الأزج، وكثرة الخشب، ومعاقد القمط، وما يصلح للمرأة وما يصلح للرجل، والدباغ والعطار إذا تخاصما في جلد، وهل اللوث في القسامة إلى نحو هذا.
وحمل يوما إلى دار السلطان ليحكم في حادثة، فشهد عنده المشطّب بن محمد بن أسامة الفرغاني الإمام، وكان فقيها من فحول المناظرين، فردّ شهادته. فقال: ما أدري لأيّ علّة ردّ شهادتي، فقال الشامي: قولوا له: كنت أظنّ أنك عالم فاسق، والآن أنت جاهل فاسق، أما تعلم أنك تفسق باستعمال الذهب؟ (المنتظم) .