للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكره أبو الحسن عبد الغافر في «سياقه» [١] ، فقال: هو وحيد عصره في وقته فضلًا، وطريقة، وزُهدًا، وورعًا، من بيت العلم والزُّهْد. تفقّه بأبيه، وصار من فُحُول أهل النَّظر، وأخذ يُطالع كُتُب الحديث [٢] ، وحجّ، فلمّا رجع إلى وطنه، ترك طريقته الّتي ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة، وتحوَّل شافعيًّا. أظهر ذلك في سنة ثمان وستّين وأربعمائة. واضطّرب أهل مرْو لذلك، وتشوَّش العَوَامّ [٣] ، إلى أن وردت الكُتُب من جهة بلكابَك من بلْخ في شأنه والتّشديد عليه، فخرج من مرْو في أوّل رمضان، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم المُوسَويّ، وطائفة من الأصحاب، وخرج في خدمته جماعة من الفقهاء وصار إلى طُوس، وقصد نَيْسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالًا عظيمًا.

وكان في نوبة نظام المُلْك وعميد الحضرة أبي سعد محمد بن منصور، فأكرموا مورده، وأنزلوه في عزٍّ وحِشْمة [٤] ، وعقد له مجلس التّذكير في مدرسة الشّافعيّة.

وكان بحرًا في الوعْظ، حافظًا لكثير من الرّوايات والحكايات والنُّكَت والأشعار، فظهر له القبول عند الخاصّ والعامّ. واستحكم أمره في مذهب الشّافعيّ. ثمّ عاد إلى مرْو، ودرّس بها في مدرسة أصحاب الشّافعيّ، وقدّمه نظام المُلْك على أقرانه، وعلا أمرُه، وظهر له الأصحاب [٥] . وخرج إلى إصبهان، ورجع إلى مرْو. وكان قبوله كلَّ يومٍ في علوّ. واتّفقت له تصانيف


[١] المنتخب من السياق ٤٤٢، ونقل عنه الرافعي باختصار في (التدوين ٤/ ١١٩) .
[٢] في المنتخب: «وبقي على ذلك حنفيّ المذهب يدرس ويناظر ويطالع كتب الحديث، وخرج في شبابه إلى الحج.
وقدم نيسابور، وحضر مجلس المناظرة، وتكلم في المسائل بحضرة إمام الحرمين، فارتضى كلامه وخاطره، وأثنى عليه، وأقرّ له بفقه خاطره وطبعه.
سمعت من واثق به أنه قال: لولا عقلة قليلة في لسانه لقبض على حربائه، ولسبق بفضله درجة أقرانه» . (٤٤٢، ٤٤٣) .
[٣] وقالوا: طريقة ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة ثم تحوّل عنها؟! (المنتظم) .
[٤] زاد في المنتخب ٤٤٣: «وقام عميد الحضرة بكفايته مع من معه» .
[٥] زاد عبد الغافر الفارسيّ: «واتفق له الحضور بعد ذلك إلى نيسابور، بعد ما شاب، وسمع بقراءتي الكثير، وكان راغبا في ذلك، قلّ ما كان يحضر مجلسا إلّا ويأمرني بالقراءة. وكانت قراءاتي أحبّ إليه من قراءة نفسه» . (٤٤٤) .