وقد جرى خلف بين أهل لطمين وبين أبي المرهف في سنة ٤٨١ هـ. فخرج آقسنقر إلى شيزر وقاتل أهلها، فقتل منهم مائة وثلاثين رجلا، وعاد إلى حلب بعد أن نهب ربضها، واستقرّت الموادعة بينه وبين أبي المرهف. (زبدة الحلب ٢/ ١٠٥) . ونزل قسيم الدولة على أفامية في سنة ٤٨٣ فأخذها من خلف بن ملاعب وسلّمها إلى أبي المرهف. (زبدة الحلب ٢/ ١٠٦، الدرّة المضيّة ٦/ ٤٣١ وفيه سنة ٤٨١ هـ) . وذكر «أسامة بن منقذ» أن أبا المرهف جرح في حرب ابن ملاعب سنة ٤٩٧ عدّة جراح منها طعنة طعنها في جفن عينه السفلاني من ناحية المأق. وكان هو وأخوه مرشد والد أسامة من أشجع قومهما. فقال أسامة: لقد شهدتهما يوما وقد خرجا إلى الصيد بالبزاة نحو تلّ ملح وهناك طير ماء كثير، فما شعرنا إلّا وعسكر قد أغار على البلد ووقفوا عليه، فرجعنا، وكان الوالد من أثر مرض. فأما عمّي فخفّ بمن معه من العسكر وسار حتى عبر المخاض إلى الإفرنج وهم يرونه. (الاعتبار ٥٥) . وسيّر «سديد الملك» ابنه عزّ الدولة أبا المرهف إلى خدمة تاج الدولة وهو معسكر بظاهر حلب، فقبض عليه واعتقله ووكّل به من يحفظه. وكان لا يدخل إليه سوى مملوكه شمعون الملقّب بموفّق الدولة، والموكّلون حول الخيمة، فكتب عزّ الدولة إلى أبيه يقول: «تنفّذ لي في الليلة الفلانية- وعيّنها- قوما من أصحابه، ذكرهم، وخيلا أركبها إلى الموضع الفلاني. فلما كانت تلك الليلة دخل شمعون خلع ثيابه فلبسها مولاه وخرج على الموكّلين في الليل، فما أنكروه، ومضى إلى أصحابه، وركب وسار، ونام شمعون في فراشه. وجرت العادة أن يجيئه شمعون في السّحر بوضوئه، فكان- رحمه الله- من الزهّاد القائمين ليلهم يتلون كتاب الله تعالى، فلما أصبحوا ولم يروا شمعون دخل كعادته دخلوا الخيمة، فوجدوا شمعون وعزّ الدولة قد راح. فأنهوا ذلك إلى تاج الدولة، فأمر بإحضاره، فلما حضر بين يديه قال: كيف عملت؟ قال: أعطيت مولاي ثيابي لبسها، وراح، ونمت أنا في فراشه. (الإعتبار ٥٧) . أنشده أخوه أبو سلامة قول الشاعر: كنت أستعمل السواد من الأمشاط ... والشّعر في سواد الدّياجي أتلقّى مثلا بمثل فلمّا ... صار عاجا سرّحته بالعاج فلما كان من غد أنشد لنفسه: كنت أستعمل البياض من الأمشاط ... عجبا بلمّتي وشبابي فاتّخذت السواد في حالة الشّرب ... سلوّا عن الصّبا بالتّصابي (تاريخ دمشق ٤٣/ ٤٥١، المختصر ٢٦/ ١٣٤، ١٣٥) . ومن شعره: لهفي لدار عفاها كلّ منهمر ... جون ملثّ عليها رائح ساري وما عفا ذكر أحبابي الذين لهم ... حزني مقيم ودمعي إثرهم جاري (المنازل والديار ٢/ ١١٢) .