للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بركياروق، وأخذ من خمسة وعشرين ألف دينار في رمضان.

ثم أخرج من دار الخلافة، ميتا في سادس عشر شوال، وحمل إلى بيته، وغسل ودفن بتربة له، فقيل: إنه أهلك في حمام أغلق عليه.

وقيل: بل أهلك بأمراض وأوجاع مع شدة الخوف والفرق.

وكان قد اشتهر بالوفاء والعفة، وجودة الرأي، ووفور الهيبة، وكمال الرئاسة. لم يكن يعاب بأكثر من التكبر الزائد. فمن الذي كان يفرح بأن ينظر إِلَيْهِ نظرة أو يكلّمه كلمة.

قَالَ مرّة لولد الشَّيْخ أَبِي نَصْر بْن الصّبّاغ: «اشتغِلْ وتأدَّب، وإلّا كنت صبّاغًا، بغير أب» [١] .

فلمّا خرج من عنده هنَّأه من حضر بأن الوزير خاطبه بهذا.

ولمّا تغيّر المستظهر عَلَيْهِ بسعْي صاحب الدّيوان هبة اللَّه بْن المطَّلِب، وناظر الخزانة الحَسَن بْن عَبْد الواحد بْن الحصين، وصاحب ديوان الإنشاء ابن الموصلايا إلى المستظهر- وكانوا قد خافوا منه- فخرج المرسوم بحِفْظ باب العامة لأجله، فأمر زوجته بالخروج إلى الحِلّة، وهيّأ لنفسه صُنْدُوقًا يدخل فيه، ويكون من جملة صناديق زوجته، فلمّا قعد فيه أسرع الخروج منه وقال: لا يتحدّث النّاس عنّي بمثل هذا.

وكان خواصّ الخليفة أيضًا قد ملّوه وسئموه، فأُخِذ وحُبِس.

قَالَ ابن الحُصَيْن المذكور: وجدتُ عميد الدّولة قد استحال في محبسه،


[١] خريدة القصر ج ١/ ٩٢، ٩٣ في فصل عن عميد الدولة ذكره الهمذاني في تاريخه، فقال:
«انتشر عنه الوقار والهيبة والعفّة وجودة الرأي، وخدم ثلاثة من الخلفاء، ووزر لاثنين منهم.
وكان عليه رسوم كثيرة وصلات جمّة مع استزادة الناس له. وكان نظام الملك يصفه دائما بالأوصاف العظيمة، ويشاهده بعين الكافي الشهم، ويأخذ رأيه في أهمّ الأمور، ويقدّمه على الكفاة والصدور. ولم يكن يعاب بأشدّ من الكبر الزائد، وأنّ كلماته كانت محفوظة مع ضنّه بها. ومن كلّمه بكلمة قامت عنده مقام بلوغ الأمل» ، ثم ذكر قوله لابن الصبّاغ، وفيه: «اشتغل وادأب» ، وكذا في: الوافي بالوفيات ١/ ٢٧٢، والمنتظم ١٧/ ٦٠ والمثبت يتفق مع (وفيات الأعيان ٥/ ١٣٢) .