وفي (وفيات الأعيان ٥/ ١٣٢) : وكان نظام الملك الوزير قد زوّجه زبيدة ابنته، وكان قد عزل عن الوزارة ثم أعيد إليها بسبب المصاهرة، وفي ذلك يقول الشريف أبو يعلى ابن الهبّارية: قل للوزير ولا تفزعك هيبته ... وإن تعاظم واستولى لمنصبه لولا ابنة الشيخ ما استوزرت ثانية ... فاشكر حرّا صرت مولانا الوزير به ووجدت بخط أسامة بن منقذ: أن السابق بن أبي مهزول الشاعر المعرّي قال: دخلت العراق واجتمعت بابن الهبّارية، فقال لي في بعض الأيام: امض بنا لنخدم الوزير ابن جهير، وكان قد عزل ثم استوزر، قال السابق: فدخلت معه حتى وقفنا بين يدي الوزير، فدفع إليه رقعة صغيرة، فلما قرأها تغير وجهه ورأيت فيه الشرّ، وخرجنا من مجلسه فقلت: ما كان في الرقعة؟ فقال: خير، الساعة تضرب رقبتي ورقبتك. فأشفقت وقلقت، وقلت: أنا رجل غريب صحبتك هذه الأيام، وسعيت في هلاكي، فقال: كان ما كان. فقصدنا باب الدار لنخرج فردّنا البوّاب، فقال: أمرت بمنعكما، فقال السابق: أنا رجل غريب من أهل الشام ما يعرفني الوزير، وإنما القصد هذا، فقال البوّاب: لا تطوّل، فما إلى خروجك من سبيل، فأيقنت بالهلاك، فلما خفّ الناس من الدار خرج إليه غلام معه قرطاس فيه خمسون دينارا وقال: قد شكرنا فاشكر، فانصرفنا، ودفع لي عشرة دنانير منها، فقلت: ما كان في الرقعة؟ فأنشدني البيتين المذكورين، فآليت أن لا أصحبه بعدها. ولعميد الدولة شعر ذكره في «الخريدة» ولكنه غير مرضيّ. وذكره ابن السمعاني في كتاب «الذيل» ، ومدحه خلق كثير من شعراء عصره، وفيه يقول صرّدر المذكور قصيدته العينية المشهورة التي أولها: قد بان عذرك والخليط مودّع ... وحوى النفوس مع الهوادج يرفع لك حيثما سمت الركائب لفتة ... أترى البدور بكل واد تطلع في الظاعنين من الحمى ظبي له ... الأحشاء ومرعى والمآقي مكرع ممنوع أطراف الجمال رقيبه ... حذرا عليه من اليون البرقع عهد الحبائل صائدات شبهه ... فارتاع، فهو لكل حبل يقطع لم يدر حامي سربه أنّي إذا ... حرم الكلام له لساني الأصبع وإذا الطيوف إلى المضاجع أرسلت ... بتحية منه، فعينيّ تسمع وعزل عميد الدولة المذكور عن الوزارة وحبس وقيّد في شهر رمضان المعظم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وتوفي في شوال من السنة. وإليه كتب أبو الكرم ابن العلّاف الشاعر قوله: ولولا مدائحنا لم تبن ... فعال المسيء من المحسن فهبك احتجبت عن الناظرين ... فهلّا احتجبت عن الألسن وتوفيت زوجته بنت نظام الملك المذكور في شعبان سنة سبعين وأربعمائة، وكان تزوّجها في سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفي سنة ثلاث وتسعين في حصن مقابل لتلّ بها.