للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: المشرق لطلب العِلم.

قال: قد وجدتُ عِلْمًا وَشَرَفًا وصحِبني شلة. ثمّ نظر في حِلْيته فوافَقَتْ، وقال: ممّن أنت؟ قال: من كُومية [١] . فربط الشّابّ، وألقي إليه سرّه.

وكان ابن تُومَرْت قد صحِبَه عبدُ الله الوَنْشَرِيسيّ [٢] ممّن تهذَّب وتفقّه، وكان جميلًا، فصيحًا في العربية، فتحدَّثا يومًا في كيفية الوصول [٣] إلى الأمر المطلوب، فقال لعبد الله: أرى أن تستر ما أنتَ عليه من العلم والفصاحة عن الناس، فتُظْهر من العيّ واللَّكَن والجهل ما تشتهر به، لتجد الخروج عن ذلك، وإظهار العلم دفعةً واحدة، فيكون ذلك معجزة. ففعل ذلك [٤] . ثمّ استدنى محمد أشخاصًا أجلادًا في القوى الجسْمانيَّة، أغمارًا، فاجتمع له ستَّة، فتوجهوا إلى مَراكُش، وملِكها علي بن يوسف بن تاشفين، وكان ملكًا حليمًا، عادلًا، متواضعًا، وكان بحضرته مالك بن وُهَيْب الأندلسيّ الفقيه، فأخذ ابن تُومَرْت في الإنكار، حتى أنكر على ابنه الملك، وذلك في قصَّة طويلة، فبلغ خبرُه الملك، وأنه يحدّث في تغيير الدّولة، فكلّم مالك بن وُهَيْب في أمره، وقال: نخاف من فَتح بابٍ يَعْسُرُ علينا سَدُّه.

وكان محمد وأصحابه مقيمين في مسجدٍ خراب بظاهر البلد، فأحضرهم في محفلٍ من العلماء، فقال الملك: سَلُوَا هذا ما يبغي. فكلّموه، وقال: ما الّذي يُذكر عنك من القول في حقّ الملك العادل الحليم المُنْقاد إلى الحق؟

فقال: أما ما نُقِل عنّي، فقد قلتُهُ، ولي من ورائه أقوال، وأما قولك إنّه يُؤْثِرَ طاعةَ الله على هواه، وينقاد إلى الحقّ، فقد حضر اعتبارُ هذا القول عليه، ليعلم بتعرّيه عن هذه الصِّفة. إنّه مغرورٌ بما تقولون له وتُطرونه به، مع عِلمكم أنّ الحُجَّة عليه متوجّهة. فهل بلغك يا قاضي أنّ الخمر تباع جهارا، وتمشي


[١] كومية: بضم الكاف وسكون الواو، قبيلة صغيرة كانت تنزل بساحل البحر من أعمال تلمسان.
[٢] الونشريسي: بفتح الواو وسكون النون وفتح الشين المعجمة وكسر الراء وسكون الياء المثنّاة من تحتها وبعدها سين مهملة. هذه النسبة إلى ونشريس، وهي بليدة بإفريقية من أعمال بجاية بعين باجة وقسطنطينة المغرب (وفيات الأعيان ٥/ ٥٥) .
[٣] في الأصل: «الأصول» .
[٤] وفيات الأعيان ٥/ ٤٨.