البشير، فالتفُّوا على عبد المؤمن، ودام القتال إلى اللّيل. وصلّى بهم عبد المؤمن يومئذٍ صلاة الخوف والحرب قائمة. وتكاثر الملثّمون، وتحيّز المصامدة إلى بستان هناك مُلْتَفٍّ بالشجر يُعرف بالبحيرة، فلذا قيل وقعة البحيرة. وبلغت قتلاهُم ثلاثة عشر ألفًا. وأُنهي الخبر إلى المهديّ فقال: عبد المؤمن سالم؟
قيل: نعم.
قال: ما مات أحد، الأمر قائم.
وكان مريضًا، فأمر بأتّباع عبد المؤمن، وعقد له من بعده، وسمّاه أمير المؤمنين، وقال لهم: هذا الّذي يفتح الله البلاد على يده، فلا تشُكّوا فيه وأعْضدوه بأموالكم وأنفسكم. ثمّ مات في آخر سنة أربعٍ وعشرين.
قال اليَسَع بن حزْم: سَمَّى ابن تُومَرْت أتباع المرابطين مجسّمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلّا بتنزيه الله تعالى عمّا لَا يجب له، وصفته بما يجب له، وترك الخوض فيما تقصر العقول عن فهمه. وكان علماء المغرب يعلّمون العامَّة أنّ اللّازم لهم أنّ الله ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير، إلى أن قال:
فكفّرهم ابن تُومَرْت بوجهين، بجهل العرض والجوهر. وأنّ من لَا يعرف ذلك لَا يعرف المخلوق، ولم يعرف الخالق.
الوجه الثّاني إنّ من لم يهاجر إليه، ولم يقاتل المرابطين معه، فهو كافر، حلال الدّم والحريم. وذكر أنّ غضبه للَّه، وإنّما قام حِسْبةً على قومٍ أغرموا النّاس ما لَا يجب عليهم. وهذا تناقض، لأنّه كفّرهم، وإنّ كانوا مسلمين. فأخذ المرابطين منهم النَّزْر اليسير أشبه من قتْلهم ونهبهم.
وحصل له في نفوس أتباعه من التّصديق له والبركة ما لا يجوزه الوصف.
وقال القاضي شمس الدّين [١] : طالت المدَّة على ابن تُومَرْت، فشرع في حيلة، وذلك أنّه رأى أولاد المصامدة شُقْرًا زُرْقًا، ولون الآباء سُمْر، قال لهم عن ذلك، فلم يجيبوه، فلمّا ألحّ عليهم فقالوا: نحن من رعيَّة أمير المسلمين عليّ، وله علينا خَراج. وفي كلّ سنة تصعد مماليكه إلينا، وينزلون في بيوتنا، ويخرجونا