وكان فصيحا، أديبا، شاعرًا، سَمْحًا، جوادًا، لم تطُل أيّامه حتّى خرج من بغداد إلى الموصل، ودخل ديار بكر، ومضى إلى أَذَرْبَيْجان، ومازَنْدَران، ثمّ عاد إلى أصبهان. وأقام على باب أصبهان إلى أنّ قتلته الملاحدة هناك.
وكان بعد خروجه من بغداد وصول السّلطان مسعود بن محمد إليها، فاجتمع بالكبار، وخلع الرّاشد باللَّه، وبايع عمّه الإمام المقتفيّ. ودام الأمر سنةً للراشد قبل ذلك.
قال ابن ناصر الحافظ: دخل السّلطان محمود إلى بغداد وفي صُحبته أصحاب المسترشد باللَّه الوزير عليّ بن طِراد، وصاحب المخزن ابن طلحة، وكاتب الإنشاء، فخرج الرّاشد باللَّه طالبًا إلى الموصل في صُحبة أميرها زنكيّ. وفي اليوم الثالث أحضروا ببغداد القُضاة والعلماء عند الوزير عليّ بن طِراد، وكتبوا محضرًا فيه شهادة طائفةٍ بما جرى من الرّاشد باللَّه من الظُّلم، وأخْذ الأموال، وسفْك الدّماء، وشرب الخمر، واستفتوا العلماء في من فعل ذلك، هل تصحُّ إمامته؟ وهل إذا ثَبَتَ فِسْقُه يجوز لسلطان الوقت أنّ يخلعه، ويستبدل به خيرًا منه؟ فأفتوا بجواز خلْعه، وفسْخ عقْده؟
ووقع الاختيار على توليه الأمير أبي عبد الله محمد بن المستظهر باللَّه، فحضر السّلطان مسعود والأمراء إلى دار الخلافة، وأحضر الأمير أبو عبد الله، وحضر الوزير، وأبو الفتوح بن طلْحة، وابن الأنباريّ الكاتب، وبايعوه، ولُقّب بالمقتفيّ لأمر الله، وبايع الخلْق وعُمره أربعون سنة، وقد وَخَطَه الشَّيْب.
وخرج الرّاشد باللَّه من الموصل إلى بلاد أَذَرْبَيْجان، وكان معه جماعة، فقسّطوا على مَرَاغَة مالًا، وعاثوا هناك، ومضوا إلى هَمَذَان فدخلوها. وقتلوا جماعة، وصلبوا آخرين، وحلقوا لِحَى جماعة من العلماء وأفسدوا. ثمّ مضوا إلى نواحي أصبهان فحاصروا البلد ونهبوا القرى. ونزل الرّاشد بظاهر أصبهان، ومرض مرضًا شديدًا، فَبَلَغَنَا أنّ جماعةً من العجم كانوا فرّاشين معه دخلوا عليه خركانة في سابع وعشرين رمضان، فقتلوه بالسّكاكين، ثمّ قُتِلوا كلّهم.
وبَلَغَنَا أنّهم كانوا سَقَوْهُ سُمًّا، فلو تركوه لَمَا عاش. وبنى له هناك تربةً، سامحه الله.