للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وله في خطيب:

شُرِحَ المنبرُ صدْرًا ... لِتَلَقِّيك رحيبا

أتُرَى ضَمَّ خطيبا ... منكَ، أمْ ضُمِّخ طِيبا؟ [١]

قَالَ ابن السّمعانيّ [٢] : هُوَ أشعر رَجُل رأيته بالشّام، غزير الفضل، لَهُ معرفة تامَّة باللّغة والأدب، وله شِعْر أرقُّ من الماء الزُّلال. سَأَلْتُهُ عَنْ مولده، فقال لي:

سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعكّا.

وقال الحافظ ابن عساكر [٣] : لمّا قدِم القَيْسَرانيّ دمشق آخر قدمة نزل بمسجد الوزير ظاهر البلد، وأخذ لنفسه طالَعًا، فلم ينفعه تنجيمه، ولم تَطُلْ مدّتُه. وكان قد أنشد والي دمشق قصيدة، مدحه بها يوم الجمعة، فأنشده إياها وهو محموم، فلم تأتِ عَلَيْهِ الجمعة الأخرى. وكنت وجدتُ أخي قاصدا عيادته فاستصحبني معه، فقلت لأخي في الطّريق: إنّي أظنّ القيسرانيّ سيلحق ابن منير كما لحق جرير الفرزدق. فكان كما ظننتُ. ولمّا دخلنا عَلَيْهِ وجدناه جالسا، ولم نر من حاله ما يدلّ عَلَى الموت. وذكر أنّه تناول مُسْهِلًا خفيفا. فَبَلَغَنَا بعد ذلك


[١] قال ابن خلّكان: وهذا الجناس في غاية الحسن. ثم وجدت هذين البيتين لأبي القاسم بن زيد بن أبي الفتح أحمد بن عبيد بن فضل الموازيني الحلبي المعروف أبوه بالماهر، وأن ابن القيسراني المذكور أنشدهما للخطيب ابن هاشم لما تولّى خطابة حلب فنسبا إليه، ورأيت الأول على هذه الصورة، وهو:
قد زها المنبر عجبا ... إذ ترقّيت خطيبا
(وفيات الأعيان ٤/ ٤٥٩) .
وقال ابن العديم الحلبي: أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي فيما أذن لي في روايته عنه قال: أخبرنا أبو عبد الله مُحَمَّد بن نصر بن صغير القيسراني في كتابه قال: وقال لي أبو عبيد الله يعني ابن الخياط: رأيت ابن الماهر بطرابلس وهو يعمل أشعارا ضعيفة ركيكة، وكان يعتمد الجناس المركّب فلا يأتي بشيء، فعمل أبياتا يهنّي بها إنسانا تولّى الخطابة فقال بعد ذكر المنبر:
أتُرَى ضَمَّ خطيبا منكَ ... أمْ ضُمِّخ طِيبا؟
فأحسن والله وأتى بالعجب. قال أبو عبد الله يعني ابن الخياط: فلما لقيت أبا الفتيان بحلب حكيت له الحكاية وأنشدته هذه البيت، فقال لي: والله إن عمري أسلك هذه الطريقة ما وقع لي مثله. (بغية الطلب ٧/ ٤٦، ٦٥) .
[٢] في التحبير ٢/ ٢٤٣.
[٣] تاريخ دمشق، بغية الطلب ٧/ ٦٤، ٦٥.